هاشم العقابيفي لندن والقاهرة وعمان ودمشق وغيرها من مدن الدنيا، التي أجبر الدهر العراقيين على اتخاذها وطنا بديلا، لا يشكو لك العراقي أهلها بقدر من يشكو لك أبناء جلدته. فقبل ليلتين، هاتفني صديق باكيا منتحبا ومعاتبا لأن العراقيين عزلوه ولم يدعوه "للمة" جمعتهم وهو واحد منهم. كان يصرخ متسائلا:
لماذا يقصدونني حين تلم بهم حاجة أو يطيح بهم الحزن، وينسوني يوم يجتمعون فرحين؟ حاولت أن أهدئه بكل ما استطعت فلم أستطع. عاد واتصل بي في حدود الواحدة صباحا والألم ما زال يعتصر قلبه والنحيب لم يفارق صوته صارخا: ليش؟ هل عزلوني لأن بي جربا سياسيا مثلا؟ ثم اشتد بكاؤه فأبكاني عليه، ولم أجد غير أن ألملم روحي وأذهب لأواسيه. وكلمة من هنا وأغنية من هناك حتى غنيت له: " من زعلك؟ من بجاك؟ انعل ابو اللي بجاك". وحين قاربت الثالثة صباحا هدأ الرجل وكفكف دموعه، فودعته وعدت منه مهموما أكثر منه. عاد واتصل بي بعد نصف ساعة ليشكرني، فعرفت انه ارتاح أخيرا فأراحني. تسللت لفراشي كي أخلد للنوم لكن الأرق داهمني فدخلت بهمّ تحليل السبب الذي دفع صاحبي إلى أن يصل إلى حافة الانهيار النفسي والجسدي تقريبا.توصلت، وقد أكون مخطئا، إلى أنها الوحشة هي التي ألمت بصاحبي. وان كان من الطبيعي أن يشعر الغريب بوحشة خارج بلده وناسه، لكن وحشة العراقي من نوع آخر. وحشة قد تصيبك حتى وان كنت في بلدك. إنها من ذلك النوع الذي أبدع في وصفه الشاعر الشيخ إبراهيم الحسون بقوله:من شفت دهري بحدّه المهجتي فيّههشدّيت راچب ذلـولي كَاطعن فيّههعن شجرةٍ حرّمت عن ارضها فيّههيا قبّح الله درهــا وفيّها من فاي تنعد بلادي واعدها من الارض منفايتا الله ما ساعتن ذمها وكَع من فايموش الارض مكَصدي، الناس الذي فيّههاستيقظت صباحا فوجدتني قد مستني عدوى الوحشة. انتظرت حتى يحل المساء لأتصل بصاحبي الذي توقعت أن ينام طوال النهار من شدة ألمه. اتصلت فلم يرد. وفي اليوم التالي عاودت الاتصال مرة أخرى كي يطمئن قلبي عليه، وتعيشون. خوفي عليه دفعني أن أستفسر عنه، فعرفت انه ينعم بدعوة من صديق قريب مني جدا، دعاه وبعض من أصحابه ولم يدعني. الأمر عادي جدا وفي غاية البساطة. فالعراقي لا يعرف ألم الوحشة، حسب، بل ويجيد استعمالها كسلاح لعزل غيره. لم أقل له ها أنت أيضا نسيت من جئته بألمك، ونسيته في حال "رخائك" حتى لم ترد على هاتفه. لم أزعل ولم أعاتبه بل عذرته لأنه عراقي، والعراقي أحيانا، يرى بأنه يجوز له ما لا يجوز لغيره.
سلاما ياعراق : وحشة العراقي .. سلاح ذو حدّين
نشر في: 17 يناير, 2012: 07:39 م