وميض إحسان لم تعد أمام إيران خيارات كثيرة في مواجهة أزماتها الخارجية، خصوصاً بعد العقوبات الأميركية الأخيرة على مؤسساتها المالية، التي تبدو أنها حلقة جديدة في سلسلة الحديد التي تلفها أميركا حول رقبة النظام الإيراني. وما تشيعه القيادة الإيرانية حول قدرتها على تفادي تأثيرات العقوبات المتراكمة على الحياة الاقتصادية في البلاد، وانعكاساتها الخطيرة على حاضر إيران كنظام سياسي، وعلى مستقبلها كدولة، إنما هو عجز عن مواجهة المأزق وليس تفادياً لنتائجه،
وادعاءات النظام الإيراني إن العقوبات الأميركية والغربية ستوحد صفوف الجبهة الداخلية وتجعل إيران تعتمد على قواها الذاتية، إنما هي ادعاءات تفتقر إلى الواقعية، سبق أن تم اختبارها في تجربة حصار العراق. ليس هناك من يتغافل عن حقيقة الدوافع التي تقف وراء العقوبات الأميركية على المؤسسات المالية الإيرانية، وبضمنها المصرف المركزي الإيراني، هذه العقوبات تشغل مساحة فاعلة من حصار اقتصادي شامل سيعطل الكثير من مفاصل الدولة الإيرانية، خصوصاً بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي موافقة أعضائه المبدئية على قرار وقف شراء النفط الإيراني، الذي يمثل هو الآخر حظراً خطيراً على صادرات النفط الإيرانية. رد الفعل الإيراني بإجراء مناورات عسكرية في مضيق هرمز يكاد يكون إيغالا في الانزلاق نحو مأزق محفوف بالمخاطر، ويدفع نحو عسكرة الأزمة بدلاً من تطويقها وحصرها في أجوائها السياسية، وهو ليس في صالح إيران بكل الأحوال، الأمر الذي يوحي أن ثمة خطأ جارفاً في الحسابات. إذ أن تطويق الأزمات السياسية يخضع في بعض الأحيان لتقلبات الاحداث وتغيرات الزمن، ودخول عناصر جديدة وانطفاء أسباب قديمة، وهو أمر ممكن في أجواء من التفاهمات والصفقات، لكن من الصعوبة إيقاف لهيب النار إذا انفلت من فوهات المدافع.وقد يبدو أن كل ما يجري الآن إنما هو عقوبات اقتصادية أميركية، تدعمها تحالفات دولية لم تكتسب شرعيتها الأممية التي تسمح بخوض حرب عسكرية، لكن إذا اخذ خيار القوة مداه في المخيلة الإيرانية، ونفذت إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، فان ذلك يعني أنها تمنح المبررات الكافية لتحرك عسكري أميركي، ولربما تحالف عسكري دولي، لحسم الملف الإيراني الذي يفسح المجال لتغييرات عميقة في المنطقة تريدها أميركا، وتطالب بها إسرائيل، ويفضلها الغرب، ويستهويها الكثير من العرب، وفي مقدمتهم دول الخليج العربي. وحقيقة الخيار الإيراني الرئيس في مواجهة كل ما يجري لايتعلق بقدرة إيران على هزيمة أميركا عسكرياً إذا ما وقع الصدام بالسلاح بين الطرفين، لكنه يتمثل بالرهان على خشية أميركا من المغامرة بتعريض مصالحها في دول الخليج العربي للخطر، ومن تفتت مشروعها السياسي في المنطقة العربية، وهذه الأسباب نفسها التي خلقت الحافز الأميركي للتصدي لتطلعات إيران السياسية في المنطقة منذ وقت طويل، وهي جزء من الدوافع الإستراتيجية التي جعلت أميركا في حالة تأهب دائم لمواجهة الاتحاد السوفيتي السابق في حال تهديده مصالحها ووجودها في المنطقة، وليس من المنطق السياسي أن تفرط أميركا بكل جهودها، وهيبتها، بالوقوف عاجزة عن حماية أهدافها، أو الانحناء أمام تطلعات دولة من العالم الثالث مثل إيران. وتهديد ايران بغلق مضيق هرمز، الذي يمر عبره ما يقارب 40% من نفط العالم، يكاد يكون تهديداً ابعاده اعلامية اكثر من كونه تأثيرات عسكرية. اذ ليس هناك من يستطيع الاقتناع ان ايران تمتلك القدرات العسكرية الحقيقية، التي تحرص على اظهارها بين مدة واخرى، القادرة على مواجهة القوة العسكرية الاميركية في المضيق، هذا الامر خاضع لحسابات ووقائع يتعذر القفز فوقهما، ومن الحكمة ان لا يتم الخلط بين المشاعر والايمان بالاهداف والارادات وبين حقائق القوة على الارض.وفي الاستراتيجية الاميركية، ان اغلاق مضيق هرمز من قبل اية جهة له تأثيرات مباشرة على ايصال النفط الى العالم، ويعد تهديداً مباشرة لاقتصاديات الكثير من دول العالم، ما يؤدي الى اضطراب الاقتصاد العالمي، وهذا الامر لاتسمح به اميركا تحت اية ظروف، ففي عام 1996 صدر تقرير عن وزارة الدفاع الاميركية ورد فيه" ان اية محاولة لاغلاق مضيق هرمز تعد عملاً خطيراً يحول دون وصول النفط الى الاسواق العالمية، كما ان اية محاولة لعرقلة التحركات العسكرية الاميركية في المنطقة وقت الحرب سوف يدفع الولايات المتحدة الاميركية الى استخدام القوة لضمان سلامة خطوط المواصلات الحيوية". وعلى هذا الاساس فان اميركا تحوطت مبكراً لاحتمالات غلق مضيق هرمز وتعرض دول الخليج العربي للتهديدات الايرانية، فعملت على نشر مظلة حماية صاروخية في المنطقة تتمتع بانظمة مضادة للصواريخ الايرانية المتوجهة لاهداف على الاراضي الخليجية التي تحتضن المنشآت النفطية، والتي تعد من اولويات المصالح الاميركية، كما انها احتفظت بقوة عسكرية كبيرة في المنطقة من خلال وجود اسطولها الخامس في البحرين، وقاعدة عسكرية في جزيرة مصيرة الواقعة قبالة الساحل العماني على بعد ما يقارب ستة كيلو مترات من المضيق، وقوات عسكرية مناسبة وجاهزة في الكويت، ومركز عمليات متطور ومتقدم في قاعدة السليلة على ارض قطر، التي كان لها الجهد الاكبر في عمليات احتلال العراق. الأمر المهم في الإجراءات الأميركية أنها مدعومة بتأييد أوروبي، وترحيب خليجي عربي غير محدود، على الرغم من تخ
إيران.. أزمة الخيارات الصعبة
نشر في: 21 يناير, 2012: 08:30 م