لطفية الدليمي سأعرض في هذه المقالة بعضا من رؤيتنا لأنفسنا كمجتمع ينطوي على تناقضات جمة تترنح بين التسامح واللاتسامح وأقدم بعض مقاطع من كتاب المفكر مايكل أنجلو ياككوبوتشي (أعداء الحوار- أسباب اللاتسامح ومظاهره)، وسيتضمن القسم الثاني نظرة موسعة لأهم فصول الكتاب
التي تلقي الضوء على الطائفية والتعصب وأشكال اللاتسامح السياسي والثقافي والديني في المجتمعات الإنسانية. القسم الأول نعاني في مجتمعنا العراقي من اللاتسامح كأفراد وجماعات نتيجة التربية المنغلقة والموروث المتشدد الذي يحظر مناقشة المقدس أو حتى الاقتراب منه، وبسبب التعليم الشوفيني التلقيني الذي لا يبيح الحوار والنقاش ويركز على قيم ومفهومات موروثة راسخة، فمعظمنا نشأنا في أجواء اجتماعية لا تؤمن بالحوار بل تفرض بدلا منه الطاعة المطلقة في البيت والمدرسة وفي الحظيرة السياسية، كما تفرض على الأفراد الطاعة التراتبية في البيت والمجتمع، فليس لنا أن نناقش او نعترض على أية فكرة يقدمها من هو اكبر منا مهما كان شططها، بل يتوجب قبولها دون جدال وإلا خرجنا على السراط المحدد للناس الأسوياء حسب المعايير السائدة، ومن هنا صارت لدينا نزعة خطيرة لتقييم الآخرين وإصدار أحكام سلبية تخص تقويمنا لهم، واعتدنا أن نتسرع في الحكم على الناس والأشياء في ردات فعل لا تعتمد التفكير المنطقي بل تلجأ غالبيتنا إلى التعميم المطلق في إصدار الأحكام وساعد سلوكنا التعميمي في تجذر اللاتسامح والتعصب في شخصية الفرد العراقي الذي صيغت شخصيته تحت مطرقة الطاعة المطلقة والإذعان التام للأوامر العليا من الآباء والمعلمين والساسة.والمتعصب اللامتسامح هو من يقسم العالم إلى ابيض واسود، إلى خير وشر، والى حق وباطل، فاللامتسامح يسكنه اللون الواحد والاعتقاد المطلق بأنه على حق دائما وكل ما عداه خطأ مطلق.يشير الشاعر بول فاليري في خطاب شهير له في جامعة السوربون سنة 1932 قبل عام من صعود النازية إلى أن (اللاتسامح يمكن إرجاعه إلى هوس النقاء)، ومعروف أن النازية والفاشية وجميع الحركات المتعصبة والشوفينية تنادي بالنقاء العرقي وترفض الآخر المختلف الذي لا يملك سمات تشبه معاييرها العنصرية.والمتعصب اللامتسامح لا يريد أن يعرف أسباب تعصبه ويفككها فهو موقن من امتلاك الحقيقة المطلقة التي لا يمكن الجدال فيها، ويدعو جميع الآخرين إلى الإيمان بما يؤمن، وإذا رفضوا فإن جزاءهم التهميش أو الإقصاء والتصفية الجسدية، وهي أقصى ما وصلت إليه نزعة اللاتسامح بتفشي الإرهاب المنظم..يذكر مايكل أنجلو ياكوبوتشي في أول فصول كتابه الضخم (أعداء الحوار – اللاتسامح أسبابه ومظاهره)، انه من الصعب الخوض في حديث عن التسامح واللاتسامح فنحن لا ننجح حتى في الاتفاق على المعنى الذي نعطيه لهذين المصطلحين كما من الصعب تحديد معنى لمصطلحات مجردة أخرى مثل (الحرية والديمقراطية) فكلاهما يتخذان معاني مختلفة مع أناس مختلفين.. إن مصطلح (تسامح) مصطلح حديث في الفكر الإنساني فقد ظهر في أوروبا بدايات عصر التنوير مع نهاية الحروب الدينية بين المذاهب وتزامن ظهور المصطلح مع نمو الأفكار الثورية وترسخها.. أما اللاتسامح فإنه النقيض لكلمة تسامح وهي في حقيقتها تعني الانغلاق التام تجاه الآخر المختلف وهي نزعة متعسفة قاسية وقديمة قدم الإنسان، ونجدها في جميع الأديان والمذاهب والأيدلوجيات والأعراق والقوميات،واللامتسامح في خبرة الناس الذي يتعاطون معه شخص عاجز عن الدخول في حوار أو نقاش لأنه غالبا بل دائما يفكر ويتكلم وحده دون أي حوار مع الآخر.يخبرنا ياكوبوتشي بان هناك أربعة أشكال رئيسية من اللاتسامح أي أربعة مظاهر نلاحظ فيها ظاهرة التعصب القصوى كاللاتسامح الديني واللاتسامح الثقافي واللاتسامح السياسي واللاتسامح الإيديولوجي المذهبي.وهي أربع طرق لرفض الحوار تقوم كلها على اليقين المطلق بما تراه حقيقتها ولا تتقبل وجود أية حقيقة تناقض يقينها، فاللاتسامح الديني يستمد قوته من حقيقة تأتي من الله واللاتسامح الثقافي هو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تنحدر من الآباء والأسلاف، أي الثقافة الموروثة، أما اللاتسامح السياسي فهو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تأتي من القائد والرئيس والديكتاتور الذي لا يؤمن بالحوار مطلقا، وأما اللاتسامح الإيديولوجي فهو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تأتي من العقل..نعلم أن معظم مفردات التراث الإنساني في جميع الثقافات على ارض البشر تتضمن نوعا (من ديكتاتورية) الماضي وتؤمن بالحقائق المطلقة ومن هنا تنشأ ضرورة تصدي الثقافة المعاصرة الحرة لتفكيك ديكتاتورية التراث المنطوية على جذر اللاتسامح ليصبح التسامح القاسم المشترك&
تفكيك التسامح واللاتسامح:بشر متعصبون.. سياسات وأديان وأعراق
نشر في: 23 يناير, 2012: 07:07 م