أحمد عبد الحسين في الديمقراطيات المشكوك بها لا تعمد القوى السياسية المتنفذة إلى فرض سيطرتها بطرقٍ ديكتاتورية مفضوحة، لا تلجأ إلى اعتقالاتٍ تملأ بها السجون أو إقامة حفلات إعدام جماعية كما كان يفعل صدام ورهطه، بل تحافظ على هيئة الديمقراطية وشكلها وشعاراتها مغلفةً بها جوهراً تسلطياً ممثلاً بفردٍ أو حزبٍ أو دينٍ أو طائفة.
بعض الحكومات "الديمقراطية جداً" ليست في الحقيقة سوى مافيات فساد كبرى برؤوس عدّة، لا يشغلها سوى مراكمة المال المستجلب لمزيد من المال والسطوة والنفوذ، للقوّة التي لا موضوع لها سوى القوّة، وهي تدرك أن غلاف الديمقراطية والشفافية وشعارات حقوق الإنسان سيتكفل به أناس مستعدّون لتلميع وجه وقفا المتسلّط، الحاكم الذي هو ليس سوى زعيم مافيا بلباس سياسيّ.مَن قرأ "روبيرتو سافيانو" الكاتب الإيطالي الشابّ الذي فضح هذا المسخ السياسيّ ـ المافيوي، وقرأ ما لقيه من نفي وتهديد ليس من قبل جلاوزة "الديكتاتور الديمقراطي" فحسب، بل من زملاء له مثقفين وصحفيين، يدرك مقدار الرعب الذي الخفيّ الذي تشيعه السلطات في نفوس المثقفين، بل مقدار الهلع الذي يوحون به لأنفسهم، وربما مقدار استعداد جمهرة كبرى من المشتغلين بالثقافة ليكونوا براغي في آلة القمع، ومما يسهّل عليهم تسكين ضمائرهم "إن وجدتْ" ان شكل النظام وشعاره ديمقراطيان.أمس قرأت أن اتحاد الأدباء والكتاب الروس منح درعَ التميّز هذا العام للرئيس السوريّ بشار الأسد. ليس التوقيت صدفة، تدعم الحكومة الروسية نظام حكم الأسد بما أوتيتْ، بكلّ خدمها وتابعيها ومنهم أدباؤها الملتئمون في نقابة تضم أكثر من سبعة آلاف كاتب وأديب، نقابة حلّت عليها ديمقراطية وانتخابات وتصويت لكنها في جوهرها لم تزلْ تبعاً لمن يخيفها، ولمن يمنحها مالاً، خادمة هذا التنين ذي الرأسين: الخوف والطمع.ما معنى أن يتضامن مثقفون مع رأس نظام حكم يتهالك أمام غضب الجماهير، وقد بلغتْ العداوة بينه وشعبه إلى طريق اللاعودة؟الدولة التي تمتلك اتحاد أدباء كهذا، سيطول طريقها إلى الديمقراطية الحقيقية لأن مثقفيها يشكلون أكبر عقبة في هذا الطريق، يمارسون كلّ الإعدادات الثانوية والشكلية لما هو ديمقراطيّ لكنهم في جوهرهم ليسوا إلا أفراداً تستعين بها مافيا المال التي وصلتْ للسلطلة بذات الإعدادت الثانوية للأرملة المفترى عليها: الديمقراطية.صعب أن يتغير جوهر الثقافة في هذه البلدان، ومنها بلداننا التي تُهدى فيها دروع لأشخاص متنفذين في السلطة لم يعرف عنهم اهتمام بالأدب "بالعكس للبعض منهم اهتمام كبير بما يناقض الأدب".أمس واليوم وغداً مؤسسات ونقابات كثيرة تتقرّب حثيثاً من جوهر لا يستطيع أن تفارقه، من تبعيةٍ تجعلها مستريحة، آمنة ومكتفية مادياً، مطمئنة في فم التنين ذي الرأسين.حين وقع القذافي في يد الثوار لم يجدوا معه الدروع التي مُنحتْ له من قبل اتحادات أدباء كثيرة، ولا أظنهم سيجدون مع الأسد درع "زملائنا" المثقفين الروس.
قرطاس :دروع النســــــيان
نشر في: 23 يناير, 2012: 07:53 م