TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الكتل في مواجهةالاستحقاق الوطني:أسس متطلّبات الدولة الديمقراطية والتداول السلس للسلطة

الكتل في مواجهةالاستحقاق الوطني:أسس متطلّبات الدولة الديمقراطية والتداول السلس للسلطة

نشر في: 24 يناير, 2012: 10:19 م

 فخري كريم

إذا كانت النيّة تتجه فعلا لتصفية جذور الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، وتفكيك الأزمة الراهنة، فإنه كان يفترض بقوى العملية السياسية وقادتها، صياغة مواقف وطنية، تنطلق من مبادئ الدستور والاتفاقات الوطنية

وتعمل على تحديد برنامج يتضمن الأسس والضوابط التي تتكرس كمرجعية للرئاسات الثلاث في إدارة الدولة والسلطة السياسية، وتضمن تداول السلطة، وتحدد توصيفاتٍ تفصيلية لما تراه، في هذه المرحلة الانتقالية بشكل خاص وذلك جزء من إجراءات تطمينية وهي ضمان يحوّل دون بروز مظاهر الانفراد بالحكم والتجاوز على الدستور وإضعاف "التضامن الحكومي"، مع ضبط إيقاع الانسجام السياسي في الموقف من القضايا الرئيسية التي تشكل قاعدة العمل الوطني المشترك، واعتبار السياسة العامة التي أكد عليها الدستور، خصوصاً ما يتعلق منها بالموقف من النظام السابق والبعث المحظور، ملزمة لكل الفرقاء، مع التأكيد بوضوح على أن كل ما يمت بصلة إلى "امتداداتهما" لا يمكن أن يكون عنصراً من مكونات العملية السياسية في البلاد .

لقد كشفت الأزمة الراهنة هشاشة مواقف الفرقاء المتخاصمين، وقصر النظر، والانغلاق على "الهم الخاص" على حساب المصالح الوطنية العليا ومتطلباتها. ويبدو ذلك جلياً من خلال "مداخلات" أغلب الفرقاء وما تقدمه من "اشتراطاتٍ" لتفكيك الأزمة المحيقة بالبلاد وسبل حل الإشكالات التي تعتور الشراكة الوطنية ومواجهة استحقاقاتها. كما يتضح ذلك أيضاً من خلال الافتقار لخارطة طريقٍ وطنية، يُهتدى بها لإدارة الاجتماعات التحضيرية الممهدة للمؤتمر الوطني المرتقب. وليس أدلّ على ذلك من غياب ما يُستَرشَد به من "استخلاصات" الإشكالات والخلافات وما يُقتَرح لها من حلولٍ، والوقوف عند العمل بمبدأ "الترقيعات" التي سادت خلال الفترات السابقة، منذ إسقاط النظام السابق وتدشين العملية الديمقراطية الهَشَّة.

إن إحدى جوانب العيب العام الذي يسم العملية السياسية ، يتجسد في احتقار " الذاكرة الجمعية " ، وكذلك يتجسد في عدم اعتماد " التراكم " في خبرة العمل والحلول وتوثيقها . اذ يعتبر كل طرف ، أثناء اي حوار خلافي ، ان الوصول الى تسوياتٍ ، وإن كانت مؤقتة او حتى مخلة ، ما دامت تحقق مطالبه " الفئوية " وتمنحه الامتيازات المطلوبة من " غنائم " السلطة ، كافية لفك الاشتباك ، دون الاهتمام بالتوثيق وتلخيص التجربة وإضافة ما توصل الحوار اليه كخطوطٍ لخارطة طريق العمل الوطني .ولم يكن هذا الإهمال يجري بمعزلٍ عن طابع الحوارات الخلافية ، ومضامينها المطلبية " السلطوية " و " الغنائمية ".

 ويتكرر هذا الحال ، من جديد في التعامل مع الأزمة الراهنة وما يُطرح لها من حلول . فالأطراف المتخالفة ، لم تطرح حتى الآن ، سوى اشتراطاتٍ شكلية لحل الأزمة ، تتمثل أقصاها في تنحية رئيس الوزراء واستبداله " بأي شخص آخر " من التحالف الوطني بل حتى وان جاء من حزب الدعوة ، برغم ما يبديه المعترضون من ان السيد المالكي يسعى بسياسته الى تكريس سلطته وفرض حكم الحزب الواحد من جديد .

ومن هذا النهج في المعالجة المطروحة، يظهر كما لو ان الأطراف المعنية بالخلاف الدائر ، وبخاصة قيادة القائمة العراقية ، ترى ان الأزمة تكمن في " شخص " رئيس الوزراء ، وليس في منظومة الضوابط والأطر التي تُعتَمد في ادارة الدولة ومؤسساتها ، وغياب " نظام عمل وقواعد إرشادية " يمكن ان يعكس جانباً منها " نظام داخلي ، لمجلس الوزراء اتفق على اعتماده ، ورُكن بعد توزيع المناصب الوزارية وتم تقاسم مغانم السلطة المغرية .! دون ان يعني ذلك ان جانباً مهماً في تكريس " الانفراد " في الحكم والمظاهر المحيطة به ، لا تتعلق بالصفات الذاتية لمن يتولى هذا المنصب السيادي الفريد في " صلاحياته " التي منحها له الدستور او تم تجييرها لشخص رئيس الوزراء ، مع ان الدستور كفّلها لمجلس الوزراء .

 واذا ما استمر الفرقاء على هذا المنوال في إدارة ملف الأزمة في الاجتماعات التحضيرية وفي المؤتمر الوطني المنتظر ، فان المآل سيكون في افضل الأحوال، كما هو  شأن الأزمات السابقة .." تطمينات متبادلة وإعادة توزيع المغانم ، مع الإبقاء على المستور من النوايا والتربصات المتبادلة " !

ان حلاً جذرياً للازمات المتلاحقة في ظل الظروف الراهنة صعب المنال ، مع انه ممكن ، لو ان القوى الاساسية في الحكم توافرت لها النوايا الصادقة لتكريس العملية السياسية وفقاً للمسارات الديمقراطية التي انطلقت منها ، ولو انها ادركت المخاطر الجمة التي تهددها جميعاً ، واتسع افقها السياسي لرؤية كامل المشهد وحراكه الدائر بنشاط استثنائي ومن حوله ما يجري سواء في المحيط العربي او الاقليمي او مضاعفات ذلك على الصعيد الدولي .

ان تفكيك الأزمة ، يتطلب قبل كل تحوطٍ آخر ، بناء منظومة كاملة من المفاهيم والأسس والضوابط والأطر في وثائق ملزمة ، على ان تكون من ضمنها ، " وثيقة إصلاح سياسي " و " نظام داخلي " لمجلس الوزراء " وقراءة جديدة لبنود الدستور التي تحدد كلا من صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الوزراء . واذا اردنا المزيد من الحصانة لمن يتولى هذا المنصب الخطير ، فان وضعه تحت رقابة مشددة ملزمة من السلطة التشريعية الرقابية"  البرلمان " تعتمد سنوياً " تقريراً انجازياً منه " يكون اساساً لتجديد ولايته السنوية .

وبدون مثل هذه الضوابط ، يستحيل وضع حدٍ لإعادة انتاج مسلسل ازماتٍ متلاحقةٍ ، ومواسم اختناقات سياسية ، على حساب انجاز الاستحقاقات الوطنية والمطلبية للمواطنين .

ومع أهمية وخطورة ادارة الحكم والسياسات العامة للدولة ومعظمها له صلة بمجلس الوزراء كجهة تنفيذية لتلك السياسات، فإنه لا يمكن اغفال مشكلات حقيقية تعصف بالطبيعة السياسية والفكرية لكثير من الشركاء في الحكومة والبرلمان..هذه الطبيعة التي تمسّ الجوهر الديمقراطي للنظام ومدى الايمان فعلا به..

إن المشكلات متلازمة فإلى جنب مشكلات ادارة الدولة عمليا، فإن غياب التدقيق في مدى أهلية القوى السياسية للعمل في نظام ديمقراطي هو الآخر يشكل أسّا خطيرا في المشكلات..والا ما معنى أن تجد في داخل اطار القوى المشكلة للحكومة من يدافع عن الدكتاتورية وامتداداتها وبقاياها؟ وما معنى وجود قدم في العمل السياسي الديمقراطي وأخرى في عمل مسلح ظاهر أو مخبوء؟ ما معنى بقاء روح التفكير الحزبوي الذي يريد جعل دوائر الدولة ومؤسساتها مجالا لتقاسم الغنائم على اسس الانتماء الحزبي وغيرها؟

هناك منظومة تشريعية لا بد ان تكتمل ولا بد أن تكون في حسابات المتفاوضين ويجري تحديد سقوف زمنية ثابتة لانجازها..وغيابها وتعطيلها هو جزء من المماطلة في عملية الاصطراع على السلطة.

ان تداول السلطة في النظام الديمقراطي ، شرطٌ لاحترام إرادة الشعب ، ولا يمكن تطبيقه دون الأسس التي تقوم على قاعدتها الأنظمة الديمقراطية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram