علي حسين الاعتذار، والاستجواب حالة نجدها في البلدان التي تنتهج الديمقراطية الحقة وتحترم إرادة شعبها، حيث لا يمكن أن تمر أزمة دون أن يكون هناك مسؤول يدفع الثمن، يعتذر للناس ثم يستقيل، إلا في العراق، فالمسؤول الحكومي يطلق التصريح المثير دون أن يدرك عواقبه، وحين تثار ضجة حوله لا يخرج للناس يعتذر عن ذنب ارتكبه بل العكس يبدأ بشتم الوسيلة الإعلامية التي نقلت عنه التصريح ويتهمها بتحريف أقواله.
أمس أطلق رئيس مجلس محافظة بغداد إحدى قذائفه الكلامية التي أثارت وراءها الكثير من الغبار والزوابع، فبعد أن تعرضت مناطق من بغداد لاعتداءات إرهابية وسط تهريج امني، نستطيع أن نطلق عليه استرخاء وغفلة وتقصيرا وإهمالا وشراء ذمم، ولكن بدلا من عقاب سريع للقيادات الأمنية المسؤولة عمّا جرى من كوارث، خرج علينا السيد كامل الزيدي ليقول إن "مجلس محافظة بغداد قرر إقالة مدير دائرة المنتجات النفطية بسبب إصراره على اعتماد آلية خاطئة في عملية توزيع المنتجات النفطية"، مضيفا ان "مسؤولية تفجير السيارة المفخخة الذي شهدتها مدينة الصدر، بسبب تلك الإلية".لم أكن أعرف حتى إطلاق هذا التصريح الخطير أن رئيس مجلس المحافظة خبير في الشؤون الأمنية، كنت أظنه خبيراً في الحشمة وغلق النوادي الاجتماعية، فالرجل كانت له صولات وجولات مع اتحاد الأدباء، بل ذهب الهوى الأدبي به إلى أن يسعى لمنافسة اتحاد الجواهري، وتوهمت ان السيد الزيدي فقيه لغوي حين أطلق مصطلح الثلة على متظاهري ساحة التحرير، لكنني فوجئت به أمس يتحدث باعتباره خبيرا في معرفة الجناة، والفاهم الأوحد في تفاصيل الخروقات الأمنية. لعل اخطر مشاهد الخراب السياسي ما يدور بشأن الوضع الأمني، فالمتابع يشم من بعيد رائحة عدم الثقة بين جميع الأطراف وهو ما تجلى بالكم الهائل من التصريحات التي يطلقها مقربون وناطقون باسم الكتل السياسية، ففي كل يوم تضبط كوارث الخروقات الأمنية البعض من مسؤولينا وهم متلبسون بحالة من العمى أصابت العقول قبل الأبصار، بحيث يبدو الجميع وهم يطلقون تصريحاتهم المتناقضة وكأنهم يتخبطون في نفق مظلم، وليس أدل على عمى البصر، من ذلك السباق المحموم بين طائفة الخبراء الأمنيين المنتفخين جهلا وهم يضعون إجاباتهم وتحليلاتهم على الأسئلة التي تثيرها الفواجع والمآسي، هؤلاء الخبراء المختالون جهلا تراهم كل يوم يفتون في كل شيء وأي شيء بدءا من دوافع الجريمة ومرورا بالمحرضين والمنفذين، فتراهم يتزاحمون على شاشات الفضائيات وتمتلئ الصفحات الأولى من الصحف بصورهم التي تنبّئ المواطن المسكين أننا نعيش عصر الكوارث المستمرة والمتلاحقة، في الطرف الثاني ينصب الساسة الخيمة لمهرجان الإقصاء والتحريض، كل طرف يريد أن يعتبر الآخر مسؤولا عن المناخ الذي أوجد الكارثة، ويبلغ عنه ويضع اسمه في قوائم المتهمين ويطالب بإخراسه واستئصاله من العملية السياسية، للأسف أيها السادة نحن قوم أصيبت عقولهم بداء اللامبالاة، ولم تعد الأحداث الخطيرة تؤثر فينا، وكلما كثرت المشاكل والأخطار، كثر أيضا النفاق والكذب والخديعة، وكثرت التصريحات المتناقضة. كل هذا العبث.. والناس تموت بالمئات، والساسة يشحنون باتجاه يوم الهول الكبير… فيما الحكومة تستحضر خبيرا امنيا بوزن كامل الزيدي ليؤكد للناس ان لا القاعدة هي المسؤولة عن التفجيرات ولا تقصير الأجهزة الامنية وانما موظف في وزارة النفط، وان من يقول غير ذلك فهو لا يفهم شيئا، والسؤال هو: كيف يمكن لنا حل هذا اللغز؟الحكومة ترتكب العديد من الخطايا وليس الأخطاء، حين لا تسعى لإيقاف هذا المسلسل الممل من التصريحات التي لا تترك وراءها سوى الغبار المضر بالأبدان والعقول.ليس هناك سبب منطقي يجعل رئيس مجلس محافظة بغداد يطلق مثل هذه التصريحات المنافية للمنطق سوى أنه يدافع عن فشل المؤسسة الأمنية حتى لو كان ذلك على حساب ضحايا أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم صدقوا بيانات الناطق باسم عمليات بغداد.
العمود الثامن :الخبير الأمني وصل!!
نشر في: 24 يناير, 2012: 10:52 م