لاتيكا بادغونكار ترجمة: نجاح الجبيلي (الحنين إلى النور) هو فيلم وثائقي للمخرج التشيلي باتريشيو غوثمان إنتاج عام 2010 ومدته تسعون دقيقة، تدور أحداثه في الصحراء التشيلية الموحشة التي تضم مراصد فلكية، والتي دفن في أرضها العديد من الناس الأبرياء ضحايا الحاكم الدكتاتوري بينوشت الذي حكم تشيلي بعد سقوط حكومة الليندي عام 1973.
وفي هذه المقالة تلقي الناقدة الهندية لاتيكا بادغونكا الضوء على هذا الفيلم الرائع: هناك نوعان من رحلات البحث يحدثان بشكل متزامن في فيلم "الحنين للنور"، وهو فيلم وثائقي ذكي للمخرج التشيلي "باترشيو غوثمان" إحداها تأخذنا إلى النجوم، والأخرى إلى الأرض التي تحت قدميك. على علو 3000 متر تعد صحراء "أتاكاما" التشيلية الشبيهة بالقمر احد أوحش الأماكن على الأرض، فجوّّّها الخام يسمح لك بأن تحدق عميقاً إلى السماء وحدود الكون.يقول المخرج:" يكون النور من القوة إذ أنك تستطيع أن ترى ظل "مجرة اللبانة" وهنا جرى بناء مختبر للفلكيين كي يتفحصوا السماء ويفهموا بداية الخلق. لكن عند أسفل المختبر كانت النساء يبحثن لمدة 28 سنة عن بقايا أفراد عوائلهن. فهنّّّ ينخلن الرمل كي يعثرن على آثار لأولئك الذين اختفوا أو قتلوا أثناء فترة حكم بينوشيت (1973-1992) ثم جرى التخلص منهم ودفنهم في معسكرات الاعتقال في تشاكابوكو في منطقة مجدبة كانت في يوم من الأيام طريقاً للتجارة. كان محتوى هذه الصحراء من الملح كبيراً يكفي لحفظ الجثث وفي الحقيقة جرى اكتشاف مومياءات عمرها 8000 سنة هنا. ويسميها غوثمان "منطقة الذاكرة". لا حشرات أو حيوانات تعيش هنا ومع ذلك فإن هذا الطريق الذي كان جارياً مرة مليء بالتاريخ.إن كلا البحثين – الفلكي والأركيولوجي، السماوي والأرضي، الشعري والدموي- يجريان من خلال صور الجمال والقوة اللذين لا يقارنان. والنتيجة تصبح فوراً سحرية وعاطفية. وبالتبادل مع اللقطات المثيرة للسماوات – أنك ترى ذرات الفضاء تسقط عليك- والأحاديث مع العلماء الذين يتكلمون ببالغ الحكمة هو المسار الثاني للفيلم: مقابلات مع النساء اللاتي يرجعن باستمرار إلى الصحراء كسيرات القلب وفارغات الأيدي ومع ذلك فهن صامدات. إحدى النساء توري قدم أخيها الميت التي مازالت في الحذاء قائلة:" أريد أن أضرب قدمه؛ لقد أصابها البلى لكننا كنا قد لممنا الشمل". خلال التصوير عثر كادر الفيلم على جثة لسجينة فقدت منذ وقت طويل. بمعنى أن كلتا المجموعتين من الناس تبحثان في ماض عنيد ظاهر، متتبعين نوعين مختلفين من الجثث. فهو بالنسبة للنساء- البقايا البشرية ومن خلالها ماضي بلادها السياسي وذاكرتها الحاضرة؛ وبالنسبة للفلكيين – الأجساد السماوية وأصول الكون. يقول أحد الفلكيين:" الماضي هو أداة الفلكي الرئيسية مثلما هو أداة الأركيولوجي". "إننا نتلاعب في الماضي". لكن كلا البحثين يمتزجان حين نرى البصمات الرقمية للنجوم ومساراتها الكالسيومية. يربط الفلكي تلك بخطوط الكالسيوم في العظام البشرية. وكلاهما يتحدثان عن الكون بأكمله معاً. إن فيلم "الحنين إلى النور" أكثر من فيلم ذي حساسية كبيرة وقوة بصرية، إذ كل من النجوم والصحراء يجري التقاطهما باللطف نفسه. لكنه تحري في اشتغالات الذاكرة. وبينما النساء يبحثن في الرمال كي يعثرن على البقايا البشرية المدفونة لمدة ثلاثين سنة، فإنهن لا يعرفن إلا القليل عن الماضي البعيد للقرن التاسع عشر المتعلق بسر الهنود الحمر المهمشين. يقول الفيلم إن الماضي المدفون لا يقدم عوناً لأحد.
(الحنين إلى النور) رحلة بحث ما بين السماء والأرض
نشر في: 25 يناير, 2012: 07:05 م