TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > بشر متعصبون.. أديان وسياسات وثقافات

بشر متعصبون.. أديان وسياسات وثقافات

نشر في: 27 يناير, 2012: 08:17 م

لطفيّة الدليميالقسم الثاني مدخلتتكشف لنا رواسب التعصب البشري كلما حفرنا في طبقات التراث الإنساني، فنجد أن مجمل التراث المنحدر من أسلاف الأمم محتشد بالتعصب واللاتسامح - وأن مختلف الديانات والمذاهب والثقافات والأيدلوجيات في عالمنا تنطوي على درجات من اللاتسامح والتعصب ولديها  نزعة تشدد  تتفاوت في مستوياتها
-صعودا وهبوطا  خلال الأزمات - لسنا وحدنا  الذين ترسخت مفردات التعصب في ذاكرتنا الجمعية وشكلت سلوكنا بل أن حياة الشعوب عامة أثقلتها هذه النزعة الموروثة منذ أقدم  العصور ،غير أن الأمم الأوروبية التي انبثق  عصر التنوير من بين أيدي مفكريها، أطلقت فكرة التسامح ونادت بالحريات ثم أقدمت على  تفكيك ظاهرة التعصب واللاتسامح ودرست منابعها وتوصل مفكروها  إلى فهم دوافع  التشدد  ومبرراته واقترحوا طرائق  العلاج وان لم ينجحوا في بلوغ درجة  الشفاء الكامل .. يخبرنا غلين دانيال في كتابه (الحضارات الأولى – الأصول والأساطير) بأن (الآرية)  ليست عرقا بل هي مصطلح لغوي  أشار فيه غزاة الهند الناطقون بالسنسكريتية إلى أنفسهم بأنهم آريون أي(نبلاء)، وباتساع استخدام المصطلح  صار يدل على الشعب الذي كان يتكلم تلك اللغة، غير أن الدعاية النازية استولت  على المصطلح ولوت عنقه لصالح عنصريتها  وسببت إرباكا في تبنيها لتمجيد العنصر الآري موحية  بان الآريين عرق متفوق، وهم  شقر وزرق العيون كسكان اسكندينافيا، غير أن  الحقيقة غير هذا  فالآريون ليسوا مجموعة عرقية - فعندما سيطر غزاة الهند على الشعب الهندي وصفوا (السكان الأصليين بأنهم (داسوس) وسود البشرة ولا يتكلمون الآرية وعاملوهم بمزيج من الاحتقار والتخوف والعنف الدموي - ففي الحروب والغزوات تتعرض الجماعة المغلوبة  إما للإبادة  أو العبودية  أو التعذيب متعدد الأشكال. وبعد ما جرى للمسيحيين الأوائل من عذابات وقمع على أيدي اليهود والرومان  نجد القسس المبشرين في العصور الوسطى، قد رافقوا  جحافل  الجيوش التي احتلت بلدانا تسكنها شعوب بدائية لأهداف اقتصادية بحتة، وكانت القسوة والدموية  الطابع المميز لتلك الحملات كما أشعلت الكنيسة في العصور المظلمة حرب المحارق الكبرى للمفكرين والمفكرات متهمة إياهم بالهرطقة والسحر ولا ننس ما جرى قبل ذلك من تمزيق جسد الفيلسوفة هيباتيا في الإسكندرية من قبل المتشددين المسيحيين  ثم بلغ التشدد الديني ذروته بالحملات الصليبية، فلم يكن التشدد حكرا على دين أو عقيدة بل هو سمة تميز  مسعى  أي معتقد أو فكرة في التوسع على  حساب العقائد السابقة ، وما حدث لابن رشد من حرق مؤلفاته  وحرق مكتبة الحكم الثاني العملاقة في الأندلس  من قبل المنصور بالله،  كما قام خلفاء مسلمون بحرق الكتب ورميها بالماء أو تمزيقها لأنها تمثل فكر عدو مختلف..    نجد في كتاب (أعداء الحوار) أن  الفصول  المعنية باللاتسامح لدى الأديان الرئيسية قد احتلت نحو ثلثي الكتاب ويعزي ياكوبوتشي الأمر الى (أن الدوافع الدينية مازالت مستمرة في سيطرتها على السلوكيات العنيفة التي تتسم بالتفرقة اللاإنسانية ضد الإنسان) .فبدءاً من الأديان الوثنية  في أثينا وبابل  وآشور ومصر  وبلاد فارس والصين والهند  وروما، وصولا إلى الأديان السماوية، نجد أن مظاهر التشدد لدى المتدينين السطحيين اشد منها لدى  المؤمنين الحقيقيين، بمعنى أن الفهم الظاهري والنفعي  للدين هو الذي يغذي التشدد فكان أن وظفته السياسة لأغراضها ودفعت  بالمتشددين  و بذرائع  الحفاظ على الدين – لقتل الآخر المختلف  باسم  الأوامر الإلهية ، ويطرح ياكوبوتشي السؤال الخطير الآتي : كيف نقتل المختلف باسم الله؟ ومن هذا السؤال تتوالد أسئلة أخرى  عن أسباب التدين ومخاوف الإنسانية التي يهدئها الإيمان بالذات العليا..  لقد بدأ تسييس الدين منذ العصور الحضارية الأولى واستمر حتى يومنا هذا، وتضامن رجال الكهنوت مع السلطة لحماية مصالحهما معا، وأدى  الأمر إلى ربط الملكية والسلطة بالحق الإلهي  والدفاع عن أحقية الحاكم بالسلطة عن طريق المتدينين المسيسين  الذين يغالون في التدين الظاهري ويسلكون سبيل التعصب من اجل غايات مختلفة، مما يعني أن معظم الصراعات المنسوبة للدين  لم تكن دينية، بقدر ما كانت صراعات ذات طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية أوقعت الأديان في مأزق كبير وأساءت إليها بسبب سيطرة الجانب  السياسي عليها ..rn2 يفتتح  ياكوبوتشي الفصل 15 من كتاب (أعداء الحوار)  موضوعة اللاتسامح  الثقافي – وبعنوان فرعي (اليقين المستمد من الآباء)  يفتتحه بالسؤال الآتي: هل يمكن قتل شخ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram