TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلمات عارية :عودة الرئيس المؤمن

كلمات عارية :عودة الرئيس المؤمن

نشر في: 27 يناير, 2012: 10:22 م

 شاكر الانباري الذاكرة الجمعية تستعيد هذه الأيام الإجراءات التي أطلقها ذات مرة الرئيس المؤمن، لأسلمة الحياة، وتطهير المجتمع من درن الحضارة الحديثة، حين قام بمنع البارات والنوادي والكبريهات، وطارد العاهرات، وقطع رؤوسهن وعلقها على أسيجة البيوت، وشجع بفورة إيمانية مفاجئة بناء التكايا، والخانات، والمرابط، لكي يحظى الدراويش بأجواء آمنة لإقامة طقوسهم،  في توق واضح الى شرعنة العقلية الخرافية التي تصدق المهانة التي يعيشها هذا الشعب.
بدأ يفرض أزياء خاصة على طالبات وطلاب المدارس والجامعات، برغم أن معظم الشعب، أثناء  تلك الهبة الإيمانية، يبيع شبابيك البيوت وأبوابها لكي يسد رمق أطفاله، ويرتق الإطارات مرة بعد أخرى ليجعل مركبته تمشي، ويعيش على طحين أنوية التمور المخلوط بجريش الحنطة، أو التبن الذي يصنع رغيفا اسود تعافه حتى الطيور الجائعة. صار راتب الموظف لا يشتري له قطعة من اللحم، أو بنطالا معتبرا، حينها فقدت المشروبات الغازية، والموز، والتفاح، والشوكولاته، باعتبارها سلعا لشعوب كافرة لا ينبغي ان يتعامل بها شعب الايمان الذي كان القائد يروم  صنعه. قبل ذلك التاريخ بكثير، وتحديدا في بداية السبعينيات، كانت هناك ميليشيات لخيرالله طلفاح تتجول سعيدة في شوارع العاصمة، تقص شعور الشباب، وتصبغ سيقان الفتيات، وتشق التنورات القصيرة، وتبهدل الشيوخ الذين لا يلبسون ملابس محتشمة. كان ذلك قبل أكثر من أربعين سنة. من خلال تلك التجربة المرة، التي تواصلت بين صبغ سيقان النساء في السبعينيات، وقطع رؤوس العاهرات في زمن الرئيس المؤمن، هبطت  قيمة الدينار العراقي بشكل مخيف. في السبعينيات كان سعر صرف الدينار الواحد ثلاثة دولارات، وبعد السياسات الإيمانية التي ظلت متواصلة ثلاثة عقود، بلغ سعر صرف الدولار هذه المرة مئتي دينار، اي ان حياة عبدالله المؤمن، الفقير، قد انخفضت أكثر من خمسمئة مرة إلى الأسوأ، مقارنة بما كانت عليه قبل أربعين سنة. انها حسابات سوريالية بكل تأكيد. بعد أربعين سنة من ميلشة الأخلاق في زمن خيرالله طلفاح، نشاهد اختفاء دور السينما، وحملات شعواء على دور الترفيه وبيع الخمور خاصة في المحافظات، وتحجيب رؤوس الشابات الصغيرات في المدارس الابتدائية، وتتفيه المسرح، والترويج للعقل الغيبي، كما لو ان ظهور هذا الجيل على الفضائيات يعود بالفرد الى القرون الوسطى. والشارع في جميع المحافظات يتجه الى اصولية مهيأة لكي تبتلع التطور الحضاري الذي مر على البشرية منذ اربعين سنة. نصبح قليلا قليلا أفغانستان طالبانية بهدوء وسكينة. الفرح يختفي من شوارعنا، فلا موسيقى، ولا غناء، ولا ملابس زاهية، ولا موضات شبابية تضفي الحياة على شوارعنا الوسخة، الكئيبة، المزركشة بالحفر، والأزبال، والأسلاك الشائكة. هل يعتقد عاقل ان مجتمعا بهكذا مواصفات يمكنه ان يكون مغريا لشركات استثمار، او بناء، او شركات سياحية تعمل لدينا؟ وهل يمكن لعاقل ان يتصور ان أسلمة المجتمع، بذلك الاسلام غير المتسامح، هي حل لنقص الخدمات، ومحاربة الفساد، وايقاف الطائفية التي تهدد العراق كبلد موحد بالدرجة الأساس؟ ام ان هذه الهبة الايمانية ما هي الا غطاء لستر الاخفاق في معالجة الملفات كلها، وغطاء لتحويل المجتمع الى مؤسسة امنية كبيرة تشيع الرعب في القلوب؟ ما ينساه المصابون بالصرع الإيماني، المزركش، والصرع الأخلاقي، ان تلك الوصفات جربت سابقا، من قبل خيرالله طلفاح وصدام حسين والسادات والقذافي وطالبان، وغيرهم، ولم تنفع شيئا الا في ايصال البلد الى الخراب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram