ميسلون هادي تستعمل الأبرة المعروفة برأسها المدبب الذي يخترق الأقمشة ، في خياطة الملابس وتطريز المفارش ودرز الجلود أيضاً، ولكنها لو استعملت للنغز والشكشكة فإنها مؤلمة جداً على صغر حجمها الذي استشهد به الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بالقول: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)..
يا إخوة.. أعود بكم إلى نوم الضحى.. إلى يوم عيد عندما خرجنا للانتخابات التشريعية عام 2005 وشعرنا بالأمل في هذا وذاك من المرشحين.. وتوجهنا مع الجيران إلى مراكز الاقتراع ونحن نصبح على بعضنا بعضاً خيراً ونعود في حالة من النشوة، كأننا نشهد الصبح القريب بعد نفق مظلم سار فيه شعب وكافح وتعب حتى الهلاك من أجل حريته.. فقد جرت الانتخابات التشريعية العراقية الأولى بعد إقرار الدستور العراقي الدائم لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية العراقية غير الانتقالية في 15 كانون الأول 2005. وقد أشرفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على العملية الانتخابية، وشارك فيها العرب السنة بكثافة، فأدلى أكثر من عشرة ملايين عراقي بأصواتهم، مما جعل نسبة المشاركة العامة 70%. وفي شباط من العام 2010 تجدد الأمل مرة أخرى، بعد أن توهمنا أن الوجوه التي ساست حياتنا وجربت برؤوسنا فن السياسة، ستتغير وتأتينا وجوه جديدة بأسماء جديدة وطموحات جديدة بعيدة عن سوء الأرضيات التي يلعبون عليها، فإذا بها تعود للتمترس خلف باب الخضراء مثل صابونة ذابت في الحمام، ولكنها ما زالت موضوعة على )الرازونة(.. كانت هناك خيبة أمل في إعادة اختيار بعض أولئك الحكام الذين لم تتراكم عندهم الخبرات في اتجاه التسامح والاحتواء، إنما كانت الخبرات والإمكانات الجيدة مع الأسف لا تظهر إلا من جهة إسقاط الآخر.. ومن هو الآخر؟ إنه جزء من الشعب يشعر بأن مباراة (الفوز) والخسارة قد شهدت خطف حقه وصوته ومستقبله.. ولم يعد يشعر هذا الشارع العلماني إلا بغربته داخل بلده حيث تُجيَّر بغداد برمتها لصالح لون واحد وتغطي مظاهره جل أحيائها السكنية وكأن هناك سباقاً من أجل أن يستمر الوضع على هذا النحو المستفز الذي يريد إظهار الجميع بمظهر الخاسر أمام هيمنة الفكر الواحد. قد تكون ثمة فرصة لتصحيح ذلك الوضع، لأنه غير مقصود بالوعي، والغلبة الأخيرة هي للاوعي السياسي التام وهو الذي يجعله يشكشك بالأبر خصومه ومعارضيه الذين يُوسمون بالشركاء (من باب توزيع الهدايا على اليتامى والمساكين).. وهذا اللاوعي الطائفي يحكم الجميع مع الأسف ولكن أصحاب القرار لهم مالهم وعليهم ماعليهم وهم الأمثولة والقدوة الحسنة ..ولا نطالبهم هنا بتغيير عقائدهم ولكن نطالبهم بأن يستعيروا منظار الآخر لكي يروا ويحترموا عقائد الآخرين ..لعلهم بعد ذلك لا يستغربون ويقولون لا نفعل شيئاً مخالفاً للدستور؟.. وكأنهم لا يعرفون مافعلوه أو لا يريدون أن يبذلوا جهداً بسيطاً للتغلب على نشوة الفوز ومنطق الخاسر والفائز.. وكأننا لا نزال نعيش في عصر الصراع السلجوقي البويهي ،وبالتالي فإن هناك من يجب أن يدفع ضريبة ألف عام من الصراع ومن أجل ألف عام أخرى من الصراع. تلك هي المشكلة ومفتاحها بكل بساطة أن يجلس على سُدّة الحكم من يربأ عن الخوض بمثل هذه الصراع الحجري بدلاً من تأجيجه، لكي يعود بنا إلى وطن كبير كان يجمعنا كلنا من الملك حمورابي إلى الملك فيصل الثاني.. مفتاح المشكلة ألا يكون هناك طرف غالب وطرف خاسر كما كان في زمن النظام السابق.. وإن كان ذلك النظام قد سقط بسبب هذه المعادلة العوجاء فمن غير المعقول أن نقضي ربع قرن أخرى من الزمان ونحن ننظر في المرآة إلى الوراء ونقول له أهلاً وسهلاً من جديد.. المهم أن نفهم الماضي الأليم ومن لا يفهم الماضي سيعيده من جديد.
هل الأبرة سلاح إرهابيّ؟!
نشر في: 27 يناير, 2012: 10:47 م