وائل نعمة استغربت سؤال شاب يقف أمام بوابة إحدى المؤسسات الحكومية المهمة جدا جدا! ويرتدي بزة عسكرية أنيقة ويحمل بيده اليمنى جهاز سونار كشف المتفجرات (أكيد تتذكرون قصة هذا الجهاز )، قال " انتم صحفيون " ؟! كنا نروم دخول تلك الدائرة الحكومية ونحمل كاميرا فوتوغرافية لذلك سألنا،
وأضاف الشاب بعدما أكدنا له أننا كما اعتقدنا " انتم من أي صحيفة"،ابتسمت لأنني أخيرا وجدت شابا يهتم بالصحف ويفرق بين الفضائية والجريدة والراديو لان الكثير ممن أصادفهم في عملي يصعب عليهم التمييز ! أجبته "أننا من المدى"، وزادت ابتسامتي حين وجدته يعرف الجريدة واعتقد أنه يقرؤها، لكنه قاطع سروري قائلا " ليش ما عدكم كلمات متقاطعة؟" وبدوري أخبرته أننا وضعنا مؤخرا كلمات متقاطعة على الصفحات الأخيرة، وتحديدا في الصفحة التاسعة عشرة منها ،ففرح بالخبر! لا اقصد التقليل من محبي ملء مربعات هذه التلسية التي أراها تزيد معلومات الشاب ،وكنت اعرف الكثيرين ممن يحرصون على إكمالها الى النهاية في بعض المجلات العربية والصحف المحلية... لكن الفرق أنهم يقرؤون من (الغلاف إلى الغلاف ) ومن ثم يفكرون بالكلمات المتقاطعة.لم يكن سؤال الشاب غريبا عني، فقد تعرضت لمثل هذه الأسئلة في مرات كثيرة ، ومعظمها من شباب يطلبون مني رؤية الجريدة ويقلبونها على ظهرها إلى الصفحة الأخيرة والبحث عن الكلمات المتقاطعة، وبعد اليأس من وجود الكلمات المتقاطعة يرميها على الطاولة ...هل هو ذنب "المدى" لأنها تأخرت في وضع هذه التلسية في صحيفتها أم ذنب الشباب الذي لا يحب القراءة؟! سؤال استطيع الإجابة عنه بإحصائيات أظهرت تدني نسبة القراءة في العالم العربي إلى معدلات مخيفة، وأوضحت الدراسة أن معدل القراءة لدى الفرد العربي لا يتجاوز 6 دقائق سنوياً، في حين أن حصة نظيره الأوروبي تبلغ نحو 200 ساعة سنوياً، والدراسة صادرة عن مؤسسة الفكر العربي – التي تتخذ من بيروت مقرا لها ،كما نشرت صحيفة الرأي الأردنية دراسة حول معدلات القراءة في الوطن العربي، أظهرت أن القارئ العربي يقرأ في كل عام نحو ربع صفحة...وأزيدكم من الشعر بيت : في العراق لدينا نسبة رسمية للاميين أكثر من خمسة ملايين، والفقر 30%، والتسرب مليون طالب من المدارس وهم مشروع أميين في المستقبل ...كما أجيب عنه بزيارة مكتبات الجامعات الفارغة إلا ممن يبحثون عن إعداد مشروع التخرج ،بينما يلخص الطلبة الكتب الجامعية وحتى في الدراسة الإعدادية الى ملازم صغيرة ،ويهتم بعضهم بقطع مسافة للحصول على إرشاد من مدرس أو طالب "شاطر" لكي يلخص الملخص ويحذف بعض الصفحات... نحن أمام أزمة نفور من القراءة ،الشباب يجالس الانترنيت لساعات للبحث عن صديقة أو حبيبة مجهولة، وان طالت إجابتها على "الشات" يقول لها اكتبي باختصار ...انه عجز بالقراءة وكسل في إكمال أربعة سطور ، هكذا يقول بعض الشباب ممن التقيتهم في احد معارض الكتاب ، إنهم يقرؤون عناوين الكتب وان طالت انتقلوا إلى آخر عنوانه اقصر ...نصيحة لكتابنا " اختاروا عناوين من كلمة واحدة، واقتصدوا بالأوراق، فالقرّاء عجزة"! دعونا نسمع ماذا فعلت فرنسا حينما علمت بتدني مستويات القراءة بين الشباب: قامت وزارة الثقافة بوضع خطة لتوزيع نسخ من صحف يومية بالمجان للشباب ما بين 18 إلى 24 عاما، لتشجيعهم على قراءة الصحف المكتوبة ، وقالت الوزارة انه سيتم إنفاق ملايين اليوروهات لتوفير صحف يتم اختيارها من قبل الشباب على أن توزع عليهم مرة واحدة في الأسبوع ولمدة سنة. وقبل ذلك بسنوات سجلت مؤسسات استطلاع الرأي هبوطاً في مستوى القراءة لدى الفرنسيين فأعلنت الحكومة حالة الطوارئ الثقافية واعتبرت أن خطراً يهدد البلد، وأقرت عدة إجراءات من بينها نزول المسؤولين الحكوميين والمثقفين الكبار إلى الشارع والقراءة في الحدائق والساحات والمكتبات من اجل رفع زخم القراءة لدى المواطن الفرنسي...(اخ ...هنا المشكلة ): كيف سنؤمن نزول البرلمانيين والمسؤولين العراقيين ومعهم آلاف الحمايات إلى الشوارع للقراءة؟!
من داخل العراق:إعلان حالة الطوارئ الثقافية!
نشر في: 28 يناير, 2012: 06:59 م