لطفية الدليمي (2) تقسم مارغريت آتوود كتابها (مفاوضات مع الموتى- تأملات كاتب حول الكتابة) إلى الفصول الآتية :التوجّه – الخداع – التكريس – الإغواء - المشاركة، وتعمل في الفصول الأربعة الأولى على كشف العلاقات المعقدة بين الكاتب ومفهوم الكتابة والكاتب والنص وبين الكاتب والكتاب لكنها في فصل المشاركة وهو ما سأركز عليه اليوم - تبحث في علاقة القراء بالكاتب والكتابة
فتمثل شكل العلاقة بين الاثنين بالشكل (8) حيث يقف الكاتب في جهة والقارئ يواجهه في الجهة الأخرى، دون وجود خط يربط بينهما وهذه النقطة الفارغة تمثلها الكلمة المكتوبة وهي حلقة الوصل الوحيدة بين الاثنين - وهي منطقة حرجة ينبغي على الكاتب احترامها فهي كل ما يملكه الكاتب ليتوجه به نحو القارئ المتلقي لخطابه المنتظر ..عبر الصفحة يتم التواصل أو التقاطع - فإذا ضجر القارئ من خطاب اي كاتب سيلغي هذه المسافة ويدع الكتاب جانبا - لكن آتوود تنصح القارئ أن ينسى صورة الكاتب وشخصيته التي تظهر في التلفزة أو الإذاعات والصحف في الحوارات والأخبار – ( على القارئ أن لا يتأثر بتلك الصور ولا يجعلها تتدخل بينك كقارئ وبين الصفحة التي تقرأها -)بين القارئ وكلمات الكاتب جو محتشد بالعلامات التي يتوجب عليه حل شفراتها دون العودة إلى اية معلومات خارجية - فالقارئ لدى ( آتوود) هوجاسوس بشكل ما - تقول : القارئ جاسوس ومتطفل - شخص اعتاد قراءة خطابات الآخرين ومذكراتهم - وتستشهد بمقولة الناقد نورثروب فراي : القارئ لا يسمع إنه يسترق السمع ..تطرح آتوود أسئلة منطقية من طراز: لمن يكتب الكاتب ؟ وما وظيفة الكتاب؟ وأين يكون الكاتب أثناء قراءة القارئ للكتاب؟ سيكون مختفيا حتما. أعود إلى ثيمات الفصول الأخرى باستثناء فصل التوجه التي تحدثت عنه سابقا، أما فصل الخداع فانه يكشف لنا عن ازدواج شخصية الكاتب ومعنى ذلك أن داخل الكتاب يوجد اثنان مختلفان؛ الشخص الذي يظهر عندما لا تكون هناك كتابة، والشخص الشبحي الغامض الذي يكتب وهو الذي يسيطر عليه الكاتب ويستخدمه لانجاز مشروع الكتابة وهو بمثابة قرين يتساكن معنا في جسدنا الآخر وإذ يموت احدنا مالك الجسد يخلد الثاني الشبحي في الكتب، أما في فصل التكريس فتحدثنا آتوود عن علاقة الفن بالمال حين يجد الكاتب كائنا عاديا بحاجة إلى الطعام والثياب وثمن الإيجار فهل يكتب المبدع من اجل المال؟؟ فيضطر الكاتب إلى الكتابة من اجل العيش وهو ما كان الكتاب يحتقرونه في البداية ولكن معظم الكتاب المبدعين - مارسوا الكتابة دون أن يتوقعوا العيش منها - فقد امن بعضهم بتكريس الفن للفن وتكريس النفس للإبداع وحده والمخاطرة بالتخلي عن أشياء كثيرة وهو أمر مدمر- وفي فصل الإغراء يعترف البعض من الكاتبات والكتاب بأن احدهم يحمل رسالة ما للمجتمع - فهل تجعلك رسالتك سيد كل دراساتك وأعمالك؟؟ أم ستتحول إلى عبد يحمل المصباح ليضيء دروب الآخرين؟؟ تبحث آتوود عن الإجابات لدى عدد من الروائيين والروائيات : هل يمكن كتابة قصة بلا مضمون أخلاقي على الإطلاق ؟؟ فتجيب إحدى الروائيات: لا ، لا يمكن مقاومة المضمون الأخلاقي . تختم آتوود بحثها بان تتحدث عن كلكامش أول كاتب عرفته البشرية الذي أراد اسرار الموت والحياة وعبر الجحيم لكنه لم يفز بالأبدية بل عاد بقصة رحلته وقصة الطوفان وعاد متعبا مكدودا ودون قصته على الحجر وهكذا نأتي بالقصة من الظلام ونكد ونتعب ثم نكتب فوق الحجر أو ما يشبه الحجر بعد مسوّّدات عدة..
قناديل :آتوود تفاوض الموتى: إغواء ومشاركة
نشر في: 28 يناير, 2012: 07:00 م