TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > وجهة نظر .. ثقافة الكره

وجهة نظر .. ثقافة الكره

نشر في: 28 يناير, 2012: 07:02 م

أحمد حسين الكره صفة بشرية ولربما يكون غريزة، غير أنه لا يطل بأنيابه إلا عند الحاجة، وقليل من بني البشر تطهرت أرواحهم من هذه الصفة المقيتة، بل هم فصيلة نادرة مهددة بالانقراض مذ وجدت بين ظهرانينا. لم يعلمنيّ أهلي الكره، لكن المجتمع علمنيّ ذلك، لا أبغي تبرئة أهلي إنما هي الحقيقة التي عشتها في طفولتي ومراهقتي،
 ففي بيتنا تفتحت عينيّّّّ على جميع مكونات الأمة العراقية ـ العقائدية والعرقية ـ بلا استثناء، إلا إن ذاك التفتح لم يجد نفعا مع محيط منقوع بالكره، في مجتمع تتمرن حواس أفراده على الكره صباحاً مساءً، تعلمت الكره ليس لأنني بحاجة إليه بل لأنه ظهر في مرحلة ضياع روحي عشته وعاشه الآلاف من أبناء جيلي الأسود، جيل سبعينيات القرن الماضي، نحن الذين هتكت براءة أعيننا حملات التصفيات العرقية والمذهبية والسياسية واغتصبت آذاننا صرخات الخوف والوجع والأحاديث المرتجفة خوفا في ذاك الزمن البغيض، طفولتنا المبكرة تمرنت على الخوف، استعدادا لظلال الرعب والفجيعة التي خيمت على طفولتنا المتأخرة خلال حرب السنوات الثمان، التي أكلت بدورها بواكير مراهقتنا، لتهجز حرب الخليج الثانية على ما تبقى منها، قبل أن يختطف عقد التسعينيات أجمل سنوات شبابنا ويحبسها في زنزانة الضياع، وقبل أن تحلّ علينا حقبة ما بعد سقوط النظام المقبور كنّا على أهبة الاستعداد لندخل هذه المرحلة شبه أحياء، أو بوصف أدق أشباح تلبست لبوس البشر.لا أريد هنا رثاء نفسي وبنات وأبناء جيلي، فما من جيل عراقي نجا من المأساة ولوثة الكره، لكننا الأتعس حظاً من بين جميع الأجيال، فلا طفولة سعيدة نحنّ إليها، ولا مراهقة سويّة استمتعنا بها، أما شبابنا فهو أشبه بالكذبة التي صدقناها احتجاجاً على حالنا المزري.منذ سنوات وأنا أؤمن بأننا ـ مواليد السبعينات ـ مشبعين بالكره دون أن نعرف ذلك أو ننتبه إلا حين يستثيرنا شيء، وقبل أيام تأكدت ليّ هذه الحقيقة ـ حقيقة من وجهة نظري على الأقل ـ وتحديدا مع تفجر الأزمة السياسية الأخيرة التي فجرت معها ثورة الحنق والغضب والكراهية التي افتضحت بين الجميع إلا أنها بدت أكثر وضوحاً لدى السبعينيين، ولمن يريد التأكد فليتابع انفعالاتنا وتوترنا حين نتحدث عن هذه الأزمة، بل وفي أحاديثنا وتصرفاتنا عموما.أنا على يقين أن من حالفه الحظ منّا واكتشف ما في داخله من كره حاول بشتى الطرق التخلص منه، وأنا على يقين أيضا أن معظم هؤلاء فشلوا ولم ينجح سوى النزر اليسير، ربما الكره هو الذي دفعنا باتجاه الشعر، هرباً منه، حتى أن نسبة الشعراء في هذا الجيل هي الأعلى بالمقارنة مع أعداد الشعراء من الأجيال الأخرى، هربنا إلى الشعر لأنه الأقرب إلى الانفعالات والغضب والعاطفة، المتنفس الأوسع للكره، والأنسب لنّا.كل قراءاتنا واطلاعاتنا لم تنفعنا لعلاج هذا المرض، الكره، هذا الورم الخبيث، الذي يبدأ بنفثة انفعال فيتوالد ويتسع ويستشري في النفس، حينها يصبح كل شيء تجاه الآخر مباحاً، يصبح هو المحرك الأنشط في تحديد الاتجاهات والتوجهات، يتمثل كغذاء لحواسنا فنعتاد الاعتياش عليه، وهو ما نورّثه لمن سيأتوا من بعدنا ونثقفهم عليه بوعي أو من دون وعي، أنها الثقافة التي تفشت دون أن نشعر بها وباتت الأوسع انتشارا.أرى أننا بحاجة ماسة وملحة إلى مواجهة كرهنا، مكاشفة ذواتنا الضائعة علنّا نجد في متاهات ضياعنا عقارا يشفينا من لوثة الكره، والطريق الأسهل والأسرع للوصول إلى هذا العقار هو المكاشفة مع النفس ومع الآخر، فالطبيب النفسي لا يصف العلاج إلا بعد أن تفتضح أمامه مكنونات مرضاه، عندها يكون الدواء ناجعا للشفاء أو التماثل للشفاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram