TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن :وزارة سوق النخاسة

العمود الثامن :وزارة سوق النخاسة

نشر في: 31 يناير, 2012: 11:53 م

 علي حسين لو أن العراقيين الذين انتظروا الخلاص من دكتاتورية صدام وتعسفه أدركوا أن الأمور ستنتهي بهم إلى دولة تخاف من لبس النساء وزينتهن، ولو أنهم تصوروا أن  تضحياتهم وسنوات العنف والإرهاب وعقود الظلم ستنتهي بالبلاد إلى أن يحكمها رجال يريدون أن يعيدونا إلى عصر الحريم والجواري، وأن التغيير الذي حلم به الملايين سينتهي إلى كائنات تعشش في عقولها خرافات القرون الوسطى ترى ماذا سيكون قرارهم.
لعل السؤال  الذي يشغل العراقيين اليوم  هل يمكن أن يتخيل أحد أن المسؤولين والساسة هم الذين يصرون على جرنا الى الوراء بحجة الحشمة  والأخلاق، من سوء طالعنا جميعا أن تتحول مؤسسات الدولة  إلى ملكيات خاصة يمارس فيها المسؤول سلطة الأب الشرعي فيجيز هذا ويمنع ذاك، اليوم الكثير من سياسينا يريدون دفع المجتمع إلى حفرة يغطون عليها بعقدهم  وامزجتهم الشخصية، لقد خرج العراقيون وهم يبكون فرحا بعد سقوط تمثال القائد الذي كان يدفع بهم الى السجون والحروب، فاذا بهم امام ساسة يديرون سراديب سرية  من التخلف والانتهازية  واللصوصية، ساسة يستمدون قوتهم وسطوتهم من خطاب إعلامي وسياسي ينشر مناخ التخلف والاستبداد والدكتاتورية المقيتة، ويبدو أن العراقيين ابتلوا بتسلط أولي الأمر منهم، فلعقود ماضية كان صدام يستخدم مصطلح خدمة الشعب، فإذا قتل الأبرياء،فهذا لمصلحة الشعب ومن أجله، وإذا ظلم،فهذا باسم الشعب ومن أجله،فالظلم عنده هو قمة العدل،فنامت الناس على ظلم مستديم،ولم يتبين للحرية أي خيط من نور.كان صدام ونظامه يختزل الشعب في هيئته،فهو وحده الذي يحس بنبض الناس.في أيامنا هذه  انتقلت (خدمة  الشعب) والسهر على مصالحهم  إلى بعض الساسة الجدد فتسمعهم ليل نهار يتغنون بكلمة اسمها الشعب، وان العناية الإلهية أوكلت إليهم أمر هذا الشعب،يتحدثون عن الشعب،والشعب منهم براء،ماذا يريد الشعب؟ ما هي همومه ومشاغله وقضاياه وآلامه؟.. هل الشعب مشغول فعلاً بقرارات كوميدية تصدرها  لجنة أطلق عليها اسم "لجنة النهوض بالمرأة"، أم هل أن سرقة أموال الشعب وتهريبها التي انتشرت في  كل مؤسسات الدولة  بسرعة البرق حلال أم حرام؟اكتب هذه الكلمات وأمامي رد كوميدي أتحفنا به احد هؤلاء المسؤولين الذين يتوهمون أنهم يتحدثون بلسان الشعب، ففي كلمات فقدت معانيها يقول السيد حسيب الصدر مدير عام الدائرة الإدارية في وزارة النفط  ردا على مقالي المعنون "سياسة منع المزكرش": "ان  توصيات لجنة النهوض بالمرأة تريد أن تنأى بها –ويعني المرأة– عن الإغراء الرخيص والنظرة الدونية لمفاتنها الجسدية  والا تصبح هدفا رخيصا للطامعين بانتهاك حرمتها والعودة بها إلى عصر الجواري وأسواق النخاسة".  هكذا إذن فنسوة العراق مطالبات بأن يقدمن الشكر للسيد حسيب الصدر الذي سعى الى  إنقاذهن من الفتنة والغواية ، وفتح أمامهن نوافذ المستقبل الوردي الذي سينتظرهن لو التزمن بتعليمات لجنة النهوض بالمرأة. ولان الأمر لا يخرج عن كونه كوميديا من النوع الرخيص فقد كنت أتمنى على السيد المسؤول في وزارة النفط أن يجيبني على سؤال يحير جميع العراقيين: أين تذهب أموال النفط؟ فالحكومة صدعت رؤوسنا بخطبها الرنانة عن الزيادة في صادرات النفط، وأن هذه الزيادات ستعوض الناس عن بؤس وفقر العهود الماضية، لكنها بدلا من ذلك أطلقت اليد لسراق المال العام وكانت النتيجة زيادة الفقر وظهور "الحيتان الكبيرة" التي التهمت كل شيء، ثم وعدت الناس بأن كل حقل جديد للنفط يكتشف سيؤدي إلى سنوات من الرخاء وكانت النتيجة أن الناس ازدادت فقرا وعوزا وبؤسا. العراقيون لم يتخلصوا من نظام صدام، لكي يكون الخيار أمامهم بعد التغيير محصورا في ابتهال الزيدي وقادة حركة الحشمة النسوية، ووزارة سوق النخاسة بدلاً من وزارة النفط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram