TOP

جريدة المدى > سينما > شاعر سينمائي كان هاجسه التاريخ والرحلات والحدود والمنفى

شاعر سينمائي كان هاجسه التاريخ والرحلات والحدود والمنفى

نشر في: 1 فبراير, 2012: 08:48 م

لندن- فيصل عبد الله رحيل المخرج والناقد والناشط السياسي اليوناني ثيو أنجلوبولوس في حادث دعس وسط العاصمة أثينا، الأسبوع الماضي، جاء وكأنه يحاكي فصلاً من فصول التراجيديا الإغريقية القديمة، بين إفلاس مالي يشهده البلد، ما وضع مقدرات كيانه وأقدار ناسه بيد سماسرة البنوك،
وبين عطب وفساد رجال السياسية ورثاثة حلولهم، آتي غياب أحد أعمدة "الأكروبولس" ليطبق بلعنته على حاضر اليونان بـ "ثالثة الأثافي". والأخيرة، ليست بالجديدة على الاستعمالات اليومية هناك، وعبر حركة تقوم بشبك الإبهام والسبابة والوسط لأصابع اليد ورميها بوجه الآخر، كإيماءة تعبير عن شتيمة قاسية. لعنة تحتاج الى زمن طويل للخروج من استحقاقاتها السياسية والمالية، مقابل زمن أطول بتكريس مخرج سينمائي له حضور وسيرة مترعة في الوسط السينمائي الأوربي مثل الأستاذ ثيو أنجلوبولوس.بعد دراسته القانون في جامعة أثنيا، وإكماله الخدمة العسكرية، وجد أنجلوبولوس نفسه غير قادر على إكمال دراسته في جامعة السوربون. فقرر الانخراط في "المعهد العالي للدراسات السينمائية" الباريسي ذائع الصيت، لكنه سرعان ما طرد منه لكونه لم يلتزم بقواعد مدرسيه الصارمة. قفل راجعاً إلى بلاده وليعمل ناقدا سينمائيا في صحيفة يسارية كانت تصدر في أثينا قبل أن يغلقها نظام دكتاتورية العسكر عقب انقلابهم في عام 1967. ما دفعه إلى العودة ثانية إلى باريس ليستقر بها على مدى العقود الأربعة التالية.تلك العودة، وما صاحبها من خيبات على المستويين الشخصي والعام، حددت خياراته القادمة ونوع الصنيع السينمائي الذي أراد. وكان من أولى ثمارها شريطه «إعادة البناء» العام 1970، والذي عرض في مهرجان سالونيك وفاز بجائزته الكبرى، ومن بعد بجائزة جورج سادول العام 1971. ولعل ذلك الشريط قد مهد الى وضع البصمة الأولية على أسس السينما اليونانية الجديدة، تلك التي ظلت حبيسة راهنها السياسي المعقد، والهزات الاجتماعية التي واجهت هذا البلد لفترة طويلة من الزمن. كان ذلك الفيلم، ايضاً، بمثابة تمرين فني لانكباب المخرج على انجاز مشاريع سينمائية طموحة، ابتداء من «ثلاثيته التاريخية» التي دشنها بفيلم «أيام الـ 36» (1972) ثم فيلم "الممثلون الجوالون" (1975)، وفيلم "رجال الصيد" (1977) كان الخاتمة. تدور هذه الثلاثية حول موضوع واحد تقريباً، وهو الأحداث والنقاشات السياسية الحامية التي عاشتها اليونان على مدى العقدين السابقين، مروراً بديكتاتورية ميتاكاكس ثم الحرب الأهلية وما بعدها. إذ وجد انجلوبولس نفسه معنياً بنبش ذلك التاريخ بكل ما يحمله من قساوة وفظاعة أفضت إلى انكسار وتشظي الأحلام الكبيرة، لتحل محلها جروح عميقة في نفوس من حملوا مشروعاً سياسياً، خصوصاً هزائم اليسار السياسي وتأثيرات ذلك في أنصاره وفي البلد بشكل عام.استعان انجلوبولس في تجربته السينمائية بالتاريخ الذي كان شفيعه في عكس رؤيته وتأصيل خطابه الفني وتأملاته الفلسفية. ولكن أي تاريخ؟ لقد عرف، وهو المسكون بحسن الفنان صاحب القضية، كيف يزاوج بين تاريخه الشخصي القريب باعتباره شاهداً حياً على تقلباته، وآخر غير شخصي كونه وريث تقاليد المسرح والتراجيديا الإغريقية القديمة بكل ما تحمله من ملاحم وأساطير، ليوظفها بشكل باذخ في أفلامه القادمة. صحيح أن الثلاثية المشار إليها سالفاً، مكّنت انجلوبولس من حصد جوائز مهرجانات سينمائية عدة وحققت له سمعة عالمية. إلا أنها، وهذا هو الأهم برأينا، عمقت من فهمه ونضجه الفني، ونجد ذلك واضحاً في شريطه الملحمي "الاسكندر الكبير" (1980) الذي حاز جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا للعام نفسه، إذ يضع المخرج إصبعه على تساؤل عصي يدور فحواه حول قيمة التاريخ، وكم يمكننا أن نستفيد من دروسه إزاء الانعطافات التاريخية الحاسمة؟ وكان هذا الفيلم بداية مرحلة جديدة من حياة المخرج عرفت بفترة المادية الجدلية.لكن الصمت والتأمل استحوذا عليه هذه المرة، ليكرس لهما ما اصطلح على تسميته بـ «ثلاثية الصمت». ففي فيلم "رحلة إلى سايثرا" (1984) نجد أن ثقل التاريخ الشخصي والعام يقود إلى المنفى، وبالتالي تتسع مساحة الصمت حول أحاسيس الأحياء المرة. الرجل الكبير في هذا الفيلم يواصل رحلته من دون أن يعرف أين تنتهي وأين تبدأ من جديد، وحتى بيته القديم يمر به كعابر سبيل. انه يلوذ بتاريخه متنقلاً من منفى إلى منفى، انه ضياع في الزمان والفراغ. بينما يمعن بطل "النحال" (1986) أكثر في صمته، فيفقد جسده وحبه في آن. رحلته تكتمل بصمت بيولوجي وإيديولوجي وروحي. وعلى الموال نفسه، ينسج في شريطه "عراء في ضباب" (1988) حول معنى الصمت وتأثير الطبيعة. وفيه نتابع رحلة طفلين يتيمين إلى مكان غير محدد في ألمانيا، وعندما يصلان إلى نهاية الشوط، سيدركان أن رحلتهما وفّرت لهما مجال كسر الصمت الذي تقاسماه طيلة الرحلة، وأنهما قادران على التخاطب والبناء وإعادة خلق عالم جديد.عُرف انجلوبولس في أفلامه أعلاه، بأسلوب سينمائي مميز يعتمد على اللقطات المتوسطة والطويل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram