جاسم محمد الإسلاميون في حالة صعود، وها هم يحصدون المقاعد في الانتخابات البرلمانية أمام تراجع القوميين واليساريين ليشهد التاريخ أكبر عملية علمنة للإسلام في أعقاب ربيع الثورات العربية و وفقا لمقولة الكاتب محمد أركون " فإن صعود الإسلاميين هو جزء من عملية علمنة سياسية للإسلام ". إن ما يحصل الآن هو معكوس أسلمة السياسة تماماً وسط ارتفاع الرايات الإسلامية في ميادين التحرير.
انه زمن العمائم الإسلامية فمنذ مطلع الخمسينات ومرحلة التحرر العربي من الاستعمار القديم كان هنالك حضور للإسلاميين غير أن الأنظمة العربية دأبت على وصف الإسلاميين بالرجعية وقمعها ضمن تحالفاتها مع الغرب مقابل استمرارها في السلطة لعقود طويلة. وهنا أستذكر أبيات جرير المحسوب على الليبراليين افتراضاً، قائلا: " يا أيها الرجل المرخي عمامته.. هذا زمانك إني قد مضى زمني".rnصعود الأحزاب الإسلاميةيبدو ظهور الإسلاميين وخاصة الإخوان المسلمين على المشهد السياسي العربي سوف لا يقتصر على تلك الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي بل سيمتد إلى دول أخرى وكأن المنطقة بأجمعها مرشحة لصعود الإسلاميين بعد تداعيات سقوط الدومينو ومنها المغرب والأردن وسوريا وثبوت الإسلام السياسي في العراق ولبنان. الإسلاميون حصدوا أكثر من 40 % وبالتحديد الإخوان المسلمين من نتائج الانتخابات في اغلب الدول العربية التي كانت نتيجة لثورات الربيع العربي رغم أن آراء المراقبين تشير إلى أن الإسلاميين ركبوا موجة ثورة الشباب الشعبية ليحصدوا نتائجها. أما اليمن فتمثل نموذجا مختلفا للإسلام السياسي عن بقية دول المنطقة لأن الإصلاحيين والسلفية كانوا وما زالوا جزءاً من السلطة ضمن اتفاقات وتحالفات منذ عام 1994 ولحد الآن.ويبدو أن استثمار الإسلاميين جهودهم في الأعمال الخيرية في المجتمع والتقرب من الطبقة الفقيرة والابتعاد عن السلطة خلال تلك الفترات أتت بنتائجها الآن رغم اختلاف أيدلوجيتها نسبيا أو اختلاف طريقة تنفيذ برامجهم ومنها التبليغ والتبشير أو" الجهاد " عند مختلف المذاهب.وكانت تصريحات بعض الزعماء والقادة العرب تتضمن إعلانهم الحرب علنا على الإسلاميين والإخوان ومنذ سنوات،وهذا ما يفسر قول الرئيس بشار الأسد في (30/10/2011) "نحن نقاتل الأخوان المسلمين منذ خمسينات القرن الماضي وما زلنا نقاتلهم والذي تداولته معظم وسائل الإعلام ومنها صحيفة أخبار اليوم المصرية في 3.10.2011.rnالإسلام المعتدلبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وتداعياتها التي مازالت تترك آثارها في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والغرب وفي لغة الخطاب السياسي والاجتماعي ظهر تعبير جديد وهو الإسلام المعتدل كتعبير للدفاع عن الذات بعد محاولات الغرب كبح المد الإسلامي في عقر داره. وأصبح داخل السلفية الاصطلاحيون الذين بدأوا يتأقلمون ويتعايشون مع النظم السياسية والديمقراطية الحديثة والقبول بولاية أمر الحاكم على نقيض السلفية والسلفية المتشددة التي ترفضها رفضا قاطعا بل تدعو للجهاد لفرض الخلافة الإسلامية والتي جاءت في تنظيمات التوحيد والجهاد ضمن مظلة القاعدة. فمثلا حركة الإخوان المسلمين في مصر بدأت في خطوة استباقية عام 2005 بفصل المسجد وليس الدين عن السياسة لتكون أكثر قبولا عند الغرب أمام فوبيا الإسلام بعد أن شهدت بعض الأحزاب والحركات الراديكالية الإسلامية تراجعا في المنطقة وخاصة حزام المقاومة العربي في مواجهة إسرائيل.خارطة الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط تتباين وتختلف بالمضمون والمفاهيم من مكان إلى آخر فما موجود من مجموعات إسلامية في أفغانستان وباكستان واليمن وفلسطين وبعضها في لبنان والعراق لا تلتقي بل تتعارض مع نموذج الثورة الإيرانية رغم إجماعها بأنها جاءت لتحرير الإيرانيين من ظلم نظام الشاه لتعلن ولاية الفقيه. وهنالك أحزاب ومجموعات إسلامية تتعامل مع الحكومة الإيرانية سياسيا كونها تتفق معها في بعض القضايا وتحصل على دعمها لكن ترفض التعامل مع أئمة الثورة الإيرانية وتعتبره خطاً أحمر في مرجعياتها الدينية والسياسية.rn موقف الإدارة الأميركيةنشرت الـ " واشنطن بوست " في عددها الصادر في السادس من كانون الثاني 2012 أن الفوز الكبير الذي حصل عليه الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية المصرية يعتبر بمثابة " أول اختبار حقيقي " لإدارة الرئيس باراك أوباما بشأن تعهداتها بدعم الحكومات المنتخبة في العالم العربي، حتى لو لم يكن الفائزون هم المفضلين بالنسبة لواشنطن." الولايات المتحدة لم يعد لديها خيار آخر فالثورات الشعبية قد أطاحت بعض حليفاتها في المنطقةولا يوجد لديها خيار إلا أن تبارك التغيير من خلال الدخول في حوار مع الإسلاميين لتخفيف حدة المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة وإن كان ذلك مرحليا لتتجاوز عقدة ا
صعود الإسلام السياسي وتراجع الليبراليين
نشر في: 3 فبراير, 2012: 07:57 م