حازم مبيضينمعروف أن الصراع على سوريا لا يتوقف عند حدودها الجغرافية, وهو ينسجم مع موقعها الإستراتيجي وقدرتها على المناورة في الاتجاهات كافة, بما في ذلك التحالفات مع قوى من خارج نادي القومية العربية, التي ظلت الشعار الرئيس المرفوع عند حزب البعث منذ نشأته الأولى, ولم يتغير رغم التحولات التي مر بها ذلك الحزب,
وانتقاله من اليمين إلى اليسار وصولاً إلى استقراره على حاله الراهن, بعد انقلاب الأسد الأب على رفاقه الحزبيين اليساريين قبل حوالي الأربعين عاماً, وخلال حكم وريثه المستمر منذ أكثر من عشر سنوات, والذي تطالب بعض قوى المعارضة بتنحيه, كخطوة أولى لبدء حوار سياسي يتشارك فيه الجميع, بحثاً عن حلول سلمية, بدل الانتقال إلى حرب أهلية ستكون طويلةً ومريرةً ومكلفة. تقف روسيا مدافعة عن النظام السوري في مجلس الأمن الدولي, بعد أن ارتدت المبادرة العربية الغربية البرنس المغربي, ونزعت عنها العباءة الخليجية, التي نجحت في زحزحة علي عبد الله صالح عن كرسي الرئاسة, حيث بدأ النظام بالتفكك بعد انسحاب صالح, والمؤكد أن ما جرى في اليمن غير مرشح للتكرار في سوريا, حيث لا يرتبط النظام بشخص الرئيس, وانما عكس ذلك هو الصحيح, إذ يرتبط استمرار الرئيس ببقاء النظام, وموسكو تتخذ هذا الموقف ليس حباً, وإنما دفاعاً عن مصالحها الإستراتيجية, ولا نقول الاقتصادية الصغيرة, وبمعنى عدم وصول مد الإسلام السياسي إلى تخومها, حيث يمنح سقوط النظام السوري فرصة بروز خط إسلاموي سني, يمتد من السعودية عابراً دول الخليج واليمن إلى مصر, وصولاً إلى تركيا بمذهبها السني, وبما يثير مخاوف مشروعة من ملامسة هذا الخط للجمهوريات الاسلامية, التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي, وبما يجبر حكام روسيا الاتحادية على الانكفاء إلى الداخل, ونسيان حتى مجرد التفكير بأحلام الامبراطورية الروسية, أو التسلل الإيديولوجي الذي عرفته حقبة السوفييت وانتشار أفكار لينين وكارل ماركس.وإن كنا نكره التقسيم المذهبي في العالم الإسلامي بكل أشكاله, خاصة حيت يتم تسييس المسائل, فان الواضح أن موسكو تشجع ذلك الانقسام , بغض النظر عن ما سيخلفه من صراعات ستحرق وجه المنطقة, وهي تسعى لشد أزر الإسلام الشيعي, بهلاله الساعي للتكامل من طهران إلى بيروت, عبر العراق وسوريا, ليكون نداً مناوئاً لإسلام السنة السياسي, الذي بدأ الحكم في عدة دول عربية, بحكم استغلاله لما يسمى الربيع العربي, باللجوء إلى صناديق الاقتراع للوصول إلى كراسي السلطة, عبر حصده لأصوات الفقراء والمهمشين, والرافضين للتجارب القومية واليسارية في الحكم, وهي تجارب علينا الاعتراف أن الشعوب لم تحصد منها غير الفشل والاضطهاد, وهنا تتبدى المصلحية المطلقة التي تنظر بها القيادة الروسية إلى ما يجري حولها, متجاهلة أن الشعوب ستظل على الدوام أقوى وأبقى من حكامها, والتجربة ماثلة في الانتقال من الإتحاد السوفييتي إلى روسيا الاتحادية. من حق روسيا بالطبع محاولة الحفاظ على قاعدتها الأخيرة في الشرق الأوسط, لمنع تطويقها بقوة الإسلام السياسي الصاعدة, على أن ذلك لن يتم بالتدخل العسكري المباشر, من خلال تزويدها النظام السوري بالمزيد من الاسلحة لمواجهة الانتفاضة, والنفخ في أتون حرب طائفية بدأت بوادرها بالظهور في سوريا, ولن تتوقف عند حدود بلاد الشام, إنما بالعمل على حفظ بعض نفوذها السياسي, في بلد يعتبر النقطة الأخيرة في الشرق الأوسط التي تلعب فيها روسيا دوراً كبيراً, وهو بلد قريب جداً من حدود روسيا, وستؤثر تطورات الأحداث فيه على استقرار الدولة الروسية, التي تمر قيادتها أيضاً بمجموعة من المشاكل, ربما تكون ناجمة عن موقفها المؤيد للنظام البعثي, وللغرب دور واضح في ( التحرك الشعبي) المناوئ لعودة بوتين إلى الكرملين.
في الحدث: روسيا والصراع المذهبي في سوريا
نشر في: 3 فبراير, 2012: 08:07 م