ترجمة/ عادل العامل يقول كارمل بريغز في عرضه لكتاب (ذكريات، أحلام، تأملات) لكارل يونغ، إنه القصة الكامنة وراء يونغ، الذي عاش من 1865 إلى 1961، والذي كان له تأثيره العميق على الفلسفة الحديثة. والكتاب، الذي ألفه تقريباً الرجل نفسه، ليس مجرد قائمة بتواريخ وأحداث، وإنما هو تاريخ شخصي من الصور الداخلية، والأفكار والمشاعر التي أدت بيونغ إلى تطوير الإدراكات النافذة التي صنعت شهرته الواسعة. وكانت ليونغ، المولود في أسرة متدينة، أحلام ورؤى على خلافٍ شديد مع المعتقدات والمناقشات الدينية التي تحيط به.
وهو يصف النزاعات الداخلية والطرق التي كان يتعامل بها مع تلك النزاعات، معطياً نفسه نعت الشخصية رقم 1 والشخصية رقم 2. ويرى أن هذا النزاع يوجد داخلنا جميعاً، لكن أناساً كثيرين ليسوا واعين به. وقد أصبحت الكنيسة مكاناً للعذاب بالنسبة له وهو يصغي إلى مواعظ أبيه، ليصبح متشككاً أكثر فأكثر في هذه الطريقة من التبشير بإرادة الله. إذ يبدو في رأي يونغ، أن إرادة الله شيء غامض وغير معروف، ومختلف بالنسبة لكل فرد، ومن المفترض استكشافها يومياً، لا إصدارها كرطانة يسلّم الناس بها، من دون تفكير. وكان على يونغ أن يحتفظ بالكثير من أفكاره لنفسه، لأنه اكتشف مبكراً أن الناس يضايقهم ما يقوله، وهم فقط يتقبلون الحقائق، والحقائق غير متيسرة. ويصف غنى أفكاره وتجاربه الداخلية بقوله مثلاً "لقد أحسستُ في وقتٍ أو آخر أنني قد اجتزتُ وادي الماس، لكنني لم أستطع أن أُقنع أحداً ــ ولا نفسي حتى، حين نظرتُ بصورة أقرب ــ بأن العيّنات التي كنت قد جلبتها معي عند عودتي لم تكن أكثر من قطع من الحصباء". وكانت طريقة اقتراب يونغ من مرضاه هي الإصغاء بعناية لقصتهم ــ محاولاً أن يفهم الخلفية الإنسانية والمعاناة الإنسانية قبل تقديم أي تشخيص سريري. وهو يوضح أن الخطر الذي يهددنا جميعاً في الوقت الحاضر يأتي لا من الطبيعة، وإنما من الإنسان، من نفوس الفرد وجمهور الناس. (هذا رجل عاش في أوروبا خلال حربين عالميتين). وهو يشدد على الأهمية، بالنسبة لكل مَن يعمل في حقل السايكولوجيا، حقل إدراك أنفسهم، وليس المرضى فقط، لأنه كان يعتقد أنه في العلاج، يكون لكاملٍ شخصية الطبيب والمريض معاً حضورهما المؤثر. ووجد أن أحلامه هو كانت تتأثر في الغالب بمسار العلاج مع المريض، وبهذه الطريقة حصل على الكثير من التبصرات الإدراكية النافعة.لقد كان يونغ عارفاً بأن الكثير من الناس تواجههم رمزية في الأحلام لا يستطيعون فهمها. وفي بعض الحالات، يمكن للخوف من التغيير أن يسبب مقاومةً، خاصةً لدى أشخاص مثل اللاهوتيين، الذين يكونون محدودين بالكنيسة والمعتقَد. وقد وصف يونغ نفسه حياته باعتبارها عيشاً على مستويين في وقتٍ متزامن " واحد واعٍ، يحاول أن يفهم و لا يستطيع، وواحد غير واعٍ، يريد التعبير عن شيءٍ ما ولا يستطيع أن يصوغ التعبير بشكلٍ أفضل مما بواسطة الحلم". وقد سافر على نطاق واسع، ومن أسفاره في شمال أفريقيا نشأ فهمه أن العيش في بيئة غريبة يمكنها أن توقظ لدى الناس ذكرى بدئية الطراز من ماضٍ غارق في القِدم كعصور ما قبل التاريخ تبدو منسيةً الآن. وهذا ما يشير إليه بأنه " النفس الظل shadow self ". فنحن ندعو أنفسنا متمدّنين، لكن قبل أجيالٍ قليلة فقط قام أسلافنا بأفعالٍ بربرية فظيعة. وغالباً ما نفصل أنفسنا عن هذه الحقيقة. وفي كتابته عن المسيحية والبوذية، يصف يونغ بوذا بكونه صورة لتطور النفس، الذي أصبح لاحقاً نموذجاً يقلّده الرجال. وفي المسيحية بالمثل، يشير يونغ إلى أن الأفراد لا يتتبعون طريقهم المقدَّر إلى الكلية wholeness، بل يحاولون أن يسلكوا الطريق الذي سلكه المسيح. وهذا، كما يقول، يؤدي إلى "حالة جمود قاتلة" في الأديان الكبرى. ولهذا، كما يقول يونغ، "نجد ما يدعى بالغرب المسيحي، البعيد عن خَلق عالمٍ جديد، يتحرك بخطواتٍ عملاقة نحو إمكانية تدمير العالم الذي لدينا". ويتلمس الكتاب الكثير من أفكار يونغ التي احتوت عليها (أعماله المجموعة) ــ بشأن الدين، الخير والشر، الطُرُز البدئية، الأحلام، التربية والتعليم، ووجدت نفسي منجذباً للقراءة فيه بعمقٍ أكثر.إن يونغ يصف هبة الإنسان العظيمة بأنها هبة الوعي، قدرته على التأمل واستخدام عقله. وبالنسبة ليونغ، بالتالي، فإن هدف البشر الأولي هو تطوير ذلك الوعي، من خلال تطوير معرفة الذات. "فبقدر ما نستطيع أن ندرك، فإن الغاية الوحيدة للوجود الإنساني هي إشعال ضوء في ظلام الكينونة المجردة "، ولقد كان كارل غوستاف يونغ الرجل الذي حقق ذلك الهدف بالتأكيد.
القصة الكاملة وراء يونغ.. تطوير الوعي عبر معرفة الذات
نشر في: 5 فبراير, 2012: 07:20 م