حازم مبيضين تتناسل المشاكل والمعضلات يومياً في عراق ما بعد صدام حسين, ويعتقد الكثيرون أنه مقبل على التقسيم إلى ثلاث دول, ويتهم هؤلاء الأميركيين بالسعي لذلك, مع أن القوم حكموا بلاد مابين النهرين ما يقرب من عشر سنوات كانوا قادرين خلالها على تنفيذ مخطط كهذا, ولسنا نظن أنهم كانوا سيلقون عنتاً في ذلك, فإقليم كردستان يعيش حالة تشبه الاستقلال, وهو يدير أموره ذاتياً ابتداءً بالاقتصاد الذي يتقدم بتسارع مدهش, ومروراً بترتيب البيت الداخلي,
وليس انتهاءً بإقامة علاقات سياسية وقنصلية مع العديد من دول العالم, وهو بكل هذه المواصفات لم يتخل عن دوره كإقليم ما يزال ضمن دائرة الدولة العراقية الموحدة, ولسنا بحاجة إلى عرافة لتخبرنا أن في الجنوب نزعة قوية لإنشاء إقليم خاص, وكذلك الأمر في الأنبار وفي عدة محافظات يرغب سكانها في إدارة شؤونهم بأنفسهم, بعيداً عن سيطرة المركز, وأوامر الحكومة المركزية في بغداد.أميركا من حيث المبدأ لا مصلحة لها في تقسيم العراق, كما لم تكن لها مصلحة في تقسيم اليمن, وقد دعمت الوحدة بين شماله وجنوبه, لضمانها ولاء علي عبد الله صالح, ولسنا نظن أن عاقلاً يمكن أن يرى في الحكومات العراقية المتتالية منذ العام 2003 , أي ملمح معاد للولايات المتحدة, وعلى العكس من ذلك فإن العديد من الساسة العراقيين, كانوا يتمنون استمرار الاحتلال الأميركي إلى أمد يكون فيه أبناء هذا البلد قد استعادوا بنية الدولة, وأعادوا بناء قدراتهم العسكرية والأمنية, وأسسوا لحياة سياسية مستقرة تعتمد الديمقراطية وتداول السلطة أسلوباً لا بديل عنه, وانصرفوا عن فكرة الدولة المركزية الباطشة, وفي المقابل فانه لا مصلحة لتركيا أو إيران أو أي من دول الجوار العربية في نشوء ثلاث دول تنفصل عن العراق على أسس عرقية ومذهبية, مثلما تكمن المصلحة في بقاء العراق موحداً وقوياً وديمقراطياً , يشعر المواطن فيه بالمساواة والرضى.الفدرالية في آخر الأمر وبما لا يتناقض مع الدستور قد تكون الحل الأمثل, ولن نستجيب لمن يحاولون إرهابنا بأنها وصفة سحرية لتقسيم البلاد, وأنها بوابة الحرب الأهلية, ومن هؤلاء من يدعو علناً إلى تقوية الدولة المركزية, القابضة على زمام كل الأمور, لانه لا حياة للعراق بغير ذلك, والمؤكد عندنا أن هؤلاء يعرفون الكثير عن تجارب الفدراليات الناجحة, حتى بين أقوام لم تجمعهم الوحدة من قبل, وانخرطوا في دول فدرالية ناجحة بكل المقاييس, وتجربة دولة الإمارات العربية قريبة وصالحة كمثال, كما أنهم أنفسهم لا يستطيعون إنكار النجاح الهائل في فدرالية سويسرا, التي جنبت شعوبها ويلات الحرب العالمية الثانية, وحافظت على ثرواتهم, وكانت ملجأً لكل الباحثين عن الأمان إبان سنوات الحرب الرهيبة, لكن هؤلاء وقد تشربوا رغماً عنهم الثقافة الصدامية في الزعامة, يسعون إلى تكرار تجربته, مع أنهم في مواقع السلطة اليوم, لمجرد أنهم كانوا يقفون ضد صدام وسياساته, وعلاقات العراق الرسمي اليوم مع تركيا والكويت على وجه الخصوص, تؤشر إلى ذلك بكل وضوح. الفدرالية في العراق قد تكون الحل الذهبي لكل ما يواجه العراقيين من مشاكل, قد تتحول إلى ويلات إن لم يتم تداركها على يد العقلاء, وهي التي ستحفظ لهم ولوطنهم وحدته, بينما سيقود استبداد الدولة المركزية, وبما هي امتداد لدولة البعث بوجه آخر, ليس إلى مجرد التقسيم, وإنما إلى نشوء دول يسود علاقاتها العداء, ومن يعرف الشعب العراقي بكل مكوناته, يدرك حجم ذلك العداء الذي لن ينتهي بغير إخضاع الآخر, مع استحالة ذلك في هذه الأزمان, ودعوتنا للاحتكام إلى الدستور في هذا الشأن, ليست موجهة ضد أحد بالتأكيد, بقدر ما تستهدف مصلحة العراقي, لقناعتنا أن المواطن كان الأساس, وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
في الحدث :العراق.. الحل فـي الفدرالية
نشر في: 5 فبراير, 2012: 09:48 م