TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر:هارون الرشيد: تسقط فرقة 11

عالم آخر:هارون الرشيد: تسقط فرقة 11

نشر في: 5 فبراير, 2012: 10:08 م

 سرمد الطائي فيما يرى النائم في المنام، رأيت هارون يستيقظ بصعوبة بعد ألف عام من النوم. انه يقيم في مبنى الشناشيل المهمل المترب وسط شارع جديد حسن باشا. يخرج رأسه من الشنشول الخشبي ويطل على الشارع. تحت شرفته مولدة تزعق. يسعل الخليفة دخانا ملونا مترفا عتيقا، فتسعل مولدة الكهرباء في وجهه دخانا حديثا لزجا اسود. يصرخ بصاحبها: يا هذا ماذا تحرق في الأسفل؟ يشتمه أبو المولدة. ينزل هارون غاضبا ويتجه نحو سراي الحكومة، الى القشلة باحثا عن حاجب الوالي
 كي يقدم شكواه. يعترضه الجندي في بوابة القشلة: ممنوع الدخول، ولن تلتقي الوالي ولا حاجبه. هارون يصيح ويصيح: من أي جند أنت؟ يجيب: أنا من فرقة 11. يصرخ الخليفة الأسبق: علي بأمير الجند. فيطل سعد أمير الجند من شرفة عالية في القشلة: ماذا تريد. هارون يكرر طلبه والتماسه، فيقهقه سعد: لا حاجة لنا بخليفة ميت، انصرف. يعترض هارون: لماذا تتعامل معي بشيء من عدم الحكمة يا أمير الجند. وعلى ذكر الحكمة، من هو رئيس بيت الحكمة هذه الأيام، وهل مازالوا يترجمون كتب الأوائل عن السريانية واليونانية؟ يجيب سعد أمير الجند: أنا رئيس بيت الحكمة. يصرخ هارون ويسعل في وجه سعد دخانا ملونا عتيقا مترفا:تمنعونني من دخول القشلة، وأي حكمة في شتمكم إياي؟ ثم ان امير الجند في مملكتي لم يكن رئيسا لبيت الحكمة. حصل هذا مرة في زمن المغول فضاع الجند وضاعت الحكمة.ظل هارون يصيح ويحدق في وجوه المارة. مفاجآت بغداد بلا نهاية. تفاجأ هارون حين رأى شاعره ونديمه ابو العتاهية يرتدي بدلة الجيش الشعبي وعمامة هندية ويحمل الكلاشنكوف: ماذا دهاك يا ابا العتاهية؟ التفت ابو العتاهية الى الخليفة الاسبق وقال له: حالي كحال حمورابي انظر اليه انه يقف الى جانبي يرتدي خوذة بابلية ويركب عربة آشورية ويرتدي بدلة الجيش الشعبي. حمورابي ينزل من عربته ويصيح بهارون: انها الحرب. حرب أهلية. ألم تقتل موسى بن جعفر؟ ينزل السؤال كالصاعقة على هارون، يقبض على لحيته بكلتا يديه ويصيح: يااااه، لقد مر وقت طويل على ذلك. نمت ألف عام ونسيت كل شيء. هل قتلت موسى بن جعفر؟ ام قتلني موسى بن جعفر؟ هل أخرجني من التاريخ أم أخرجته؟راح يدور حول نفسه كالمجنون: ماذا فعلتم ببغدادي؟ فلمح موكبا حسينيا يقطع شارع جديد حسن باشا. الخليفة العباسي الهاشمي اندس في الحشود التي تبكي على الحسين بن علي الهاشمي وراح يبكي على جده، ويتذكر بندم ظلمه الهاشميين في لعبة صراع السلطة. قال لنفسه: تصارعنا ولم تخرب بغداد. وراح يهتف متذكرا الجندي الذي منعه من دخول القشلة: تسقط فرقة 11 تسقط فرقة 11.انا الرائي كنت مع صديق بحراني شاعر نحاول دخول القشلة أيضا. يريد ان يكتب عن تاريخ بغداد. وحين رأينا ما رأينا قال الصديق: بعد ما فعلوا بخليفة ميت، لن يسمحوا لنا نحن المساكين بالدخول. لننصرف.أفهم كيف تعبث الأحلام بالجغرافيا، لكن لم أدرك أنها تعبث بالتاريخ. كيف يصعد ابو العتاهية همر المالكي بملابس الجيش الشعبي المنحل! ولماذا وضعوا علامة فورد على عربة حمورابي الآشورية، وألبسوه خوذة بابلية وبدلة الجيش الشعبي؟ في أي زمن نحن؟ لكن صديقي علي الجلاوي يمسك بيدي ويجرني كي ننصرف، بينما يظل هارون يقطع منطقة الميدان مع موكب الحسين ويعدني بأن يزورني مرتين في الأسبوع، وهو يصيح: تسقط فرقة 11، تسقط فرقة 12. يتلعثم: ترقص فرقة 12، ترقص فرقة 12، دون ان يدري ان جيشنا يخلو من فرقة بهذا الاسم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram