اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > المشاهد الدموية وعسكرة الصغار "ماركة" مسجلة تجتاح الشارع

المشاهد الدموية وعسكرة الصغار "ماركة" مسجلة تجتاح الشارع

نشر في: 6 فبراير, 2012: 07:05 م

 بغداد/ عبد الكريم العبيدي داخل الكراج طغت مشادة كلامية صاخبة بين سائقين على صور الفوضى المنتشرة فيه. كان كل منهما (كالعادة) يرى أنه أحق من الآخر في تسلسل سيارته بقائمة طابور السيارات، ودعوة الراكبين للصعود في سيارته، وحالما عجز حوارهما/ زعيقهما (في بضع ثوان لا غير)
عن التوصل إلى أدنى درجة من التفاهم انتقل الصراع إلى الشتائم والسباب والعراك بالأيدي ثم إلى استخدام العصي (والبوريات والدرنفيسات والسكول صبانات)، وسرعان ما تخضب رأس أحدهما بالدماء، وتمزقت ثيابهما وسط صخب نداءات السائقين والباعة والشحاذين وأصوات منبهات السيارات، ضجيج مسعور صعق مسامع الناس المتوجهين إلى أعمالهم أو إلى قضاء حاجاتهم في ذلك الصباح (القتيل)، شأنه شأن أصباح (دموية صاخبة) لا تنتهي، وما زالت تتكرر في كل يوم. من داخل سيارة (كيا)لكن صورة العنف لم تنته هناك في كراج السيارات حقا، فداخل سيارة (الكيا) حدثت مشادة كلامية جديدة بين السائق وأحد الراكبين بسبب ورقة نقدية من فئة مائتين وخمسين دينار (لا غير) ظل السائق يرى أنها (ما تمشي)، أي تالفة، بينما أصر الراكب على أنها عملة عراقية سليمة، وسرعان ما تحول حوارهما/ زعيقهما إلى شتائم وسباب، وكان أبرز ما يلفت الانتباه هو أن الراكب أقسم أنه سيضع (عبوة لاصقة) في سيارة السائق، بينما توعده السائق (بتفجير بيته) قبل غروب الشمس!حازم (سي دي)هكذا كان يلقبوه، وهي كنية لاقت استحسان ذلك الفتى النحيف على ما يبدو، وجعلته مميزا في أحد أسواق بيع الأقراص المدمجة المنتشرة على الأرصفة في عدد من أحياء بغداد، كان الإقبال واضحا على محله، أطفال يرغبون "بمراوسة" ـ استبدال الأقراص بأقراص أخرى ـ وآخرون يطلبون أفلاما جديدة، ويرددون أسماء بدت مألوفة عند حازم الذي راح يروج لهم أسماء أفلام حديثة مثل: (50 cent- splinter cell- kane and lynch الخ).يافع كان يرتدي قبعة حمراء ويتباهى بوشم (مرعب) مطبوع على زنده رطن بباقة أفلام حديثة: (just cause- sniper- brother in arms). الوحيد من بين المتبضعين، كان رجلا في الستينيات من العمر سأل الصبي (صاحب الوشم المرعب) عن رطانة هذه الأسماء فأجابه باقتضاب، من دون أن يلتفت إليه: ( هذه كلها أفلام رعب، أكشن، قتل ودم)، قالها وهو يلوح بقبضتيه في الهواء!كان حازم يرقب المشهد الحواري القصير عن قرب، وكان على ما يبدو يدرك حالة طارئة كحالة الرجل العجوز الذي امتعض مما يرى ويسمع، فسعى حازم على الفور إلى (التخلص) من مشتر (ثقيل) فبادر وسأله عن نوع الأقراص التي يريدها؟- أفلام عن الطيور والحيوانات والطبيعة، أفلام للأطفال.حدج حازم الرجل بنظرة ممزوجة بابتسامة ساخرة ثم قفز نحو أقراص مركونة على رف ويعلوها الغبار وجلب حزمة منها وسلمها للعجوز، بينما همس أحد الفتية مردداً: (حيييل اشكد قديم)!!   حازم، وبعد أن (أزاح العجوز القديم) عن محله أوضح لعملائه الصغار أن عددا كبيرا من أقراص الأفلام التي طلبها العجوز ينام عليها الغبار منذ شهور كونها لا تنتمي إلى أفلام العنف أو الرعب، وأن الكثير من الصغار يجلبون له أقراصا، اشتراها لهم آباؤهم من أمثال (صاحبنا) ليستبدلونها بأفلام العنف!، بل أن بعضهم يسخر من أبيه ويتندر على اختياره (الاستوك) الذي ما زال يحلم بشروق الشمس واستيقاظ الزهور وتحليق الفراشات في الحقول وصداقة الدببة مع الأطفال وأمواج دجلة والقوارب وطلعت يا محلى نورهه شمس الشميسه)!!كان حازم يتحدث وسط قهقهات متعالية يطلقها الصغار على كل جملة/ نكتة كانت تخرج من فمه بصعوبة بسبب اختناقه هو أيضا بموجة ضحك على اختيارات العجوز المسكين.صالات العنفالطفولة في خطر حقا. ونادرا ما تجد الآن طفلا عراقيا "واقعيا" من بين كل مئة طفل "عنفوي"، والمحنة الأشد خطورة هي أن آباءهم وأمهاتهم، "ضحايا حروب العقود الماضية" مازالوا يمارسون لعبة تصدير هذه الثقافة الماضوية الساخنة إلى صغارهم، فانتقلت عدوى العنف إلى ألعابهم وهواياتهم. وراحوا يتهافتون على شراء الكثير من الأقراص الليزرية المليئة بمشاهد الرعب والدمار والخراب. في حين انتشرت في العديد من أحياء بغداد الشعبية صالات لممارسة ألعاب أجهزة الـ (أكس بوكس وألبلي ستيشن 2)، لاستقطاب الأعداد الهائلة من الأطفال الباحثين عن مظاهر العنف.الأطفال يدخلون إلى هذه الصالات صغارا. وبعد دقائق يتحولون إلى أمراء، وكل ما يحتاجه الواحد منهم هو أن (يقتل) عشرة مواطنين أبرياء بأسلحته المختلفة التي لا ينضب في مخازنها الرصاص طوال فترة الدست، فيتحول إلى أمير بنظر زملائه المحتشدين لمتابعة "جرائمه"، والذين كانوا يؤازرونه بالهتاف والمديح، ويثنون على بطولته في القتل والخطف والتدمير، التي جعلته أميرا بنظرهم، بعد تمكنه من قتل عشرة أشخاص، أو أميرا للأمراء بعد مقتل عشرين شخصا.كان هذا المشهد الصاخب يتكرر في إحدى تلك الصالات، في كل نصف ساعة تقريبا، وكانت هتافات الأطفال وأهازيجهم تصل إلى أسماع المارة في الشارع.أطفال العراق في محنة حقا. بعضهم لم يكتف على ما يبدو بآلاف المشاهد الدموية التي شاهدها على مدار الأعوام الماضية فراح يبحث عن المزيد منها في بعض الموا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram