هاشم العقابي عندما قرأت خبر أن الناصرية تعد اليوم من اكثر مدن العراق فقرا، حضرني صوت حضيري ابو عزيز وهو يغني مدينته يوم عنت عليه بعد فراق. شعرت وكأنه لا يغنيها بل يبكيها وهو يخاطبها " يا جنة العشاق .. يا سلوة المشتاق" بعد ان اقسم بانه لو "ركد منه الحيل" سيمشي صوبها على يديه.
انها الناصرية، التي تعجز الكلمات عن وصف تاريخها وطيبة اهلها واهميتها وفضلها على الفن والشعر والموسيقى في بلادنا، صار يعشش فيها الفقر والبؤس ليترك 34 بالمئة من اهلها تحت خط الفقر. أي ان اكثر من ثلث سكانها لا يحصلون حتى على دولارين في الشهر. توقعت ان ينزل الخبر كالصاعقة على رؤوس المثقفين والشعراء والإعلاميين قبل السياسيين. لكني حين قلبت المواقع الالكترونية والفضائيات، هذا اليوم، لم اجد فيها صرخة احتجاج واحدة، فعدت لتقليب المواجع. الوجع الاول بدأ حين فكرت في اعداد قائمة باسماء رواد الحضارة ونجوم الشعر والغناء والفكر في الناصرية، من ايام سومر الى يومنا هذا، فوجدت اني احتاج لكتابة موسوعة وليس عمودا. الوجع الآخر دفعني لسماع اصوات الذين غنوا اغنية "للناصرية" فاكتشفت ان اغلب المطربين العراقيين قد غنوها. تساءلت: اين هم منها الآن؟ ولماذا لا يقصدون مدينة حسين نعمة ليغنوها معه احتجاجا بوجه من جوّع الناصرية واهلها؟وأغرب المواجع مصدره قنصل فرنسا بالناصرية عادل الكنزاوي الذي قرأت انه يسعى الى توأمتها بمدية ليون الفرنسية. على من يضحك هذا القنصل "الفايخ"؟ أتقبل ليون، التي تشتهر بكثرة مصارفها وبأنها من بين اقل بلدان العالم في نسبة البطالة ويقطنها الكثير من الاغنياء ويسميها البعض "عاصمة الطعام" في العالم، ان تكون اختها من افقر مدننا؟ لو تحدث قنصل الصومال عن هكذا توأمة لكان فيها باب وجواب.أما اشد المواجع وانكاها، فهو سكوت اهل الناصرية الذين لم نعهد لهم مثل هذا السكوت على الضيم مطلقا لا في زمن صدام ولا قبله. فقد اجد عذرا لوسائل الاعلام الحكومية وغير الحكومية ان هي سكتت عن هذا الخبر الفاجعة. وقد اعذر البرلمان لأنه أدمن السكوت على مآسينا. لكني لا يمكن ان اجد عذرا منطقيا لكم يا ابناء الناصرية وانتم ترونها وقد لفها الجوع والفقر والحرمان وهي في بلد عائم على النفط. لقد وصل الحال الى وصف مدينتكم التي كانت جنة العشاق والفن بانها الأفقر بالعراق. فهل تعرفون معنى هذا الوصف؟ أتعرفون ان الجياع موتى حتى وان كانوا يتنفسون؟ أمن العدل ان تجوع الناصرية وهي التي لو باعت عشر ما تحتويه من قطع أثرية لاغتنت؟ اني والله لأستغرب صبركم مثلما استغرب ابو ذر الغفاري ممن بات جائعا ولم يستل سيفه. لا اناشدكم ان تستلوا سيوفكم، اعاذكم الله واعاذنا منها ومن شرورها. انما ادعوكم للتظاهر في الشوارع سلميا احتجاجا على من جوّعكم. فاحملوا صور آثاركم واسماء اعلامكم وطوفوا بها الشوارع والساحات مصحوبة باصوات اغاني الناصرية التي لو فرشتم بها الارض من "عكد الى الهوى" الى ساحة التحرير لاخضرّت معلنة ربيعا عراقيا من نوع آخر. فهل انتم فاعلون؟
سلاما ياعراق :يا جنة العشاق .. يالناصرية
نشر في: 6 فبراير, 2012: 08:57 م