TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: تنمية أم كبت؟

أحاديث شفوية: تنمية أم كبت؟

نشر في: 6 فبراير, 2012: 10:50 م

 احمد المهناالأعمال تشبه أصحابها، رغم ما يبدو أحيانا من أنها تخالفهم جزئيا أو كليا. الإبداع، مثلا، كرم ما بعده كرم. فكل عينة منه عبارة عن توسعة في مملكة الروح، وفي جمال العالم. إن المبدع الحق كريم لأنه يهدي البشرية تحفة او تحفا خالدة. ولكنك قد تجد في أمثاله بخيلا في سلوكه.
 فهو في ابداعه كريم في تنمية الإحساس لدى البشرية، ولكنه في تصرفه بخيل مقلّ في "الإحساس".  والحال فإن العطاء الخالد يدفن البخل الزائل: من يذكر تقتير أم كلثوم؟ وفي المقابل أليس من الطرم ألا تذكر السيدة كل ليلة وكل يوم؟ إن الهرم هو المعجزة وليست المومياء المدفونة فيه. وإبداع الإنسان هو هرمه وليست حياته. مع أن الإبداع قد يأخذ أيضا سيرة حياة.هل يمكن تخيل حضارة الإنسان من دون الإبداع؟ أي من دون الفنون والآداب؟أظن أن الجواب هو بالنفي. ففي أصل كل فعل من أفعال بناء الحضارة يوجد أساس أدبي أو فني. لماذا فكر الإنسان، دونا من بقية المخلوقات، بتشييد دار يقيم فيها، وينفصل بها عن حياة الطبيعة؟ لا بد أن "إحساسا" ما بتميزه عن بقية المخلوقات هو الذي دفعه لابتكار ذلك الفعل الأول من افعال الحضارة. و"الإحساس" هو المصدر الملهم لكل فن ولكل أدب، بل وللفكر والعلم، فهو الدافع وراء تشييد الدار الأولى، واللوحة الأولى، والتمثال الأول، والقصيدة الأولى، والعجلة الأولى، امتدادا إلى كل ما صار يؤلف أجزاء الحضارة. ولذلك يمكن اعتبار "الإحساس" مصنع إنتاج الحضارة. كما يمكن اعتبار الخير والحق والجمال أهم منتجات مصنع "الحساسية الإنسانية". ومن هذه المنتجات يتألف الوجه الكريم للإنسان. وبها نستطيع تعريف الإنسان بأنه مخلوق كريم، بل أكرم مخلوقات الله. وانك لتصف شخصا ما بأنه "إنسان" ما ان تجد وجها من وجوه هذا الكرم بارزا فيه. ومن هذا المنظور يبدو كل عمل من أعمال الخير او الحق او الجمال وكأنه محاولة للتشبه بـ"الإنسان"، والمقصود بهذا المعنى هو الإنسان في صورته النموذجية. لكن الإنسان ليس هو هذه الصورة النموذجية وإنما هو المسعى الدائب والأبدي إليها. ولو كان هو تلك الصورة لما وجد الشر والظلم والقبح. فالحقيقة الخالدة هي أن البشري مخلوق من خلطة التناقض، فالشر كما الخير أصل في تكوينه. ولعل هذا وجه من وجوه فرادته. وبالتالي فان كل ما يفعله الإنسان يشبهه ولا يشبه سواه. ولكن إذا كان الأصل البناء في الإنسان هو "الإحساس"، فما هو الأصل الهدام فيه؟اعتقد انه "فقدان الإحساس". إن التمتع بالإحساس من عدمه هو إمكانية أكثر منه معطى طبيعيا. بمعنى ان البشر يوجدون مع إمكانية اكتساب "الإحساس" أو فقدانه، ولا يولدون وهم يتمتعون به او يفتقدون إليه بالطبيعة. والإحساس لا يقل او يزيد لأن فريقا من الناس أقرب إلى الإنسانية من غيرهم لأسباب بيولوجية. ولكن ثقافة المجتمع (أي معتقداته وأديانه وعاداته) هي التي تكبت او تنمي "الحساسية".ترى أي الأمرين تفعل ثقافتنا الاجتماعية؟أجد الجواب سهلا ومخيفا كلما لاحظت وفرة مظاهر العسكرة في الشوارع والشاشات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram