علي حسين استبشر احد الأصدقاء بعودة وزراء العراقية إلى مقاعدهم الوثيرة ظانا أن الأمر يدخل في مصلحة العملية السياسية ناسياً ان الواقع يؤكد لنا أن أكثر الأشياء استخداماً في العراق عند السادة المسؤولين والتابعين والموالين لهم هي الشعارات الزائفة، والتي من كثرة ترديدها تحولت إلى عبارات لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، ومن هذه الشعارات "الحفاظ على القانون، الذي يقابله يومياً انتهاك للحريات وممارسات لا تمت إليه بصلة وإجراءات تبعد الشعب عن جنة رضا السادة أصحاب دولة القانون و كذلك شعار "الشفافية"، فلا يكاد يظهر مسؤول حتى تقفز مفردة الشفافية من بين شفاهه الكريمة،
والشفافية في عرفهم، التستر على سرقة المال، وتعيين الأقارب والأصحاب، وتحويل مؤسسات الدولة إلى مقاطعات عائلية.ولأننا نعيش عصر الحكومات الرشيدة التي لا تهتم بأحد، وعندما تصدر قانونا جديدا لا تضع في اعتبارها تأثير هذا القانون على الناس، وعندما تختار وزيراً لا تفكر إذا كان سيعمل لصالح الوطن أم لصالح الحزب والأحباب، وعندما يتفتق ذهن الساسة لاختيار المرشحين لمناصب الوزراء، لا يفكرون في أبسط المقومات التي يجب توافرها فيهم. فمثلاً هل يتأكدون أن هذا الوزير له خبرة في مجال عمل الوزارة أم لا؟ هل المحافظ قريب من الناس في أحيائهم الفقيرة ويقوم بحل مشاكلهم، أم يجلس وراء مكتبة ويتصرف مثلما يتصرف ولاة القرون الوسطى؟ للأسف أثبتت حكومة المالكي الثانية عن أخطاء في الاختيار، حيث تمت وفقاً لتقديرات ومعايير بعيدة كل البعد عن أحوال الناس ومتطلباتهم.. وأصبح الأمر وكأن الاختيار لعضوية مجلس الوزراء عبارة عن شهادة تقدير له على خدماته التي قدمها لكتلته السياسية، ليس المهم أن يعرف هموم الناس ومشاكلهم وماذا تحتاج الناس في مجال الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والكهرباء، المهم إنه يعمل ما يريده منه زعماء الطوائف حتى لو كان على حساب المواطنين، والنتيجة أن بعض هؤلاء الوزراء اثبتوا فشلا ذريعا نقرأه يوميا في عيون الناس وفي غياب الخدمات والفساد المالي والإداري والصفقات التي تعقد في الخفاء والمشاريع التي تتبخر أموالها في الهواء.في الدول صاحبة التجربة الديمقراطية الحقيقية يتم اختيار مجالس الوزراء وفق شروط مهنية واعتبارات تتعلق بنزاهة المتقدمين لهذه المناصب ومعرفتهم الدقيقة لشؤون الوزارة وخبرتهم وكفاءتهم، أما عندنا فأن كل وزير أو مسؤول تنفيذي يجلس على كرسيه الوثير وهو يعلم أن أمامه أربع سنوات لا يمكن لأحد فيها إقصاؤه أو محاسبته، بل يمكن أن تتجدد له إذا حصل على رضا أولي الأمر، كل ذلك يجعل من هؤلاء مجرد موظفين لأحزابهم السياسية لا يهتمون إلا بتنفيذ أجندات معينة، وجني المكاسب والاستعداد لشراء الذمم للحصول على أربع سنوات أخرى، أما مشاكل الناس والسكن مع المزابل، ليس مهماً، غياب الخدمات والكهرباء لا يهم، الطرقات التي لا تصلح حتى لسير الحمير غير مهمة، البيوت التي تنام منذ الغروب على ضوء الفوانيس لاتهم احد، غياب البهجة والحياة وتحويل المدن إلى مدن أشباح ليس مهما. بعد سنوات من التغيير لم يحصل العراقيون على شيء سوى كلام منمق عن المستقبل الزاهر وعن الانجازات الديمقراطية التي لا تنتهي ولا تتوقف، يرون بلادهم تباع للسياسيين شبرا شبرا، يرون المليارات تصب في جيوب المسؤولين، ثم يجدون أنفسهم عطشى بلا مياه، مهانين في مساكن غير آدمية، يحلمون بوظائف تنقذهم من جوع، يرون الانكسار والذل في العيون التي تكشف العجز والضعف عن تلبية أبسط الحقوق. الناس يئست من أحزاب المصالح الشخصية، ويئست من جدوى الأحزاب التي أدمنت الكلام والشعارات،اليوم ندرك جيدا أن معركة العراقية مع دولة القانون لم تكن من اجل الدفاع عن مصالح الناس وإنما من اجل الحفاظ على كرسي الوزارة حتى لو كان الثمن امن العراقيين ومستقبلهم.
العمود الثامن:حكومة الخائفين على كراسيهم
نشر في: 7 فبراير, 2012: 11:29 م