باقر جاسم محمد كان الربيع العربي مظهراً من مظاهر حيوية الشعوب العربية. وقد أظهرت الأحداث التي دشنت الفعل الثوري الحقيقي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا  على أن الشعوب تستطيع أن تطيح بالطغاة حين ينكسر حاجز الخوف. وهكذا رأينا الأنظمة التي كانت تراهن على خنوع شعوبها تنهار الواحد بعد الآخر. والحقيقة التي لا مراء فيها أن الوطن العربي يشهد حالة تغيير لم تفصح بعد عن أبعادها الكاملة.
ومن هنا فإن الخوف كل الخوف هو من أن تتحول تضحيات الشباب العربي الذي أنجز ثورات  العربي إلى مرحلة جديدة للدكتاتورية التي أفصحت عن نفسها في مسألة هيمنة الجماعات الأصولية على نتائج الانتخابات التي جرت حتى الآن. فهذه الجماعات منظمة على نحو جيد، بينما يفتقر الثائرون الشباب إلى التنظيم وإلى القدرات القيادية التي تمكنهم من طرح أنفسهم على أنهم بديل مناسب لعهود القمع والتغييب لإرادة الشعوب. لذلك فإن أسلاب تلك الأنظمة المنهارة ستذهب إلى الجماعات التي انتظرت بفارغ الصبر أن تنضج تفاحة الحكم وتسقط في يدها. ولو أخذنا الحالة المصرية، فسوف نقرأ في الأخبار أن الجماعات التي تسنمت قيادة الهيئات التشريعية فيها ما زالت تناور من أجل اجتياز هذه المرحلة الصعبة وتثبيت أركان حكمها وإحكام سيطرتها على السلطة السياسية، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة قطع الصلة بهذا الاختراع الشيطاني المستورد الذي يطلقون عليه الديمقراطية. فما هي إلا فترة قصيرة، وما أن يهدأ الشارع، ويتم تنظيم الأجهزة القمعية على نحو يوالي النظام الجديد، وتتم عملية تجريد الشارع من زخمه الحالي، فإن هذه الجماعات تملك الأغلبية البرلمانية التي تمكنها من تمرير ما تريد من قوانين وأنظمة. وهي في الوقت نفسه تملك السلطة التنفيذيه، ولديها قناعة راسخة أنها تنفذ إرادة عليا مقدسة، لذلك، لن يطول الوقت حتى يخرج علينا أحد الفقهاء بفتوى تفيد بأن الخروج على ولي الأمر، الذي صار فقيهاً الآن،  أمر محرم شرعاً، وهو يوجب إيقاع العقوبة المعلومة على الخارجين على ولاة الأمور في التاريخ الإسلامي! وهنا، أتوقف لأقول، أتمنى لو كنت على خطأ! لكن الأخبار تشير إلى أن علينا أن نتوقع الأسوأ، فقد جرى تسريب خبر تحريم تداول كتب نجيب محفوظ، وهي روايات وقصص تتناول التجربة الاجتماعية للشعب المصري من زاوية إنسانية. وأنا أعلم أن في الأمم قلائل ممن هم بمنزلة هذا الروائي الكبير الذي كان إبداعه طوال سبعين عاماً موضع تقدير واحترام على مستوى العالم. وهو كاتب فضح الفساد والمفسدين، كما كانت له وقفته الشجاعة بوجه الدكتاتورية في بلاده. وقد كشفت أعماله عن الأبعاد الإنسانية لمعاناة الإنسان المصري. إذن، فليحذر الكتاب، ولاسيما الروائيون والمسرحيون وكتاب السيناريو، من الآن فصاعداً من أن يتناولوا بحرية الموضوعات التي دارت حولها أعمال محفوظ لأن مصيرهم سيكون أسوأ من مصير شيخ الرواية العربية.ترى، هل تومئ هذه البداية إلى القادم من الخطوات التي نتوقع أنها سوف تبدأ بمحاسبة الناس على ما في ضمائرهم. ومرة أخرى، نجد أن الأخبار تؤكد هذا المنحى، فالفنان عادل إمام يسجن على أعمال قد لا نتفق معه على محتواها الفكري، ولكن أيجوز أن يسجن المرء على رأي أدلى به؟ وأين هي حرية التعبير؟ ثم، ألا تنص القاعدة القانونية على أن لا عقوبة إلا بنص سابق لارتكاب الجرم؟ وإذا سلمنا جدلاً أن في أعمال عادل إمام ما يسيء إلى الدين الحنيف، وهو أمر لم يثبت بعد، فإن هذا الفعل لا تقرره المحاكم العادية لأن الفن يتحمل الاجتهاد في التفسير. وهنا، أود أن أشير إلى أنني أعتقد أن معاقبة الفنان عادل إمام ليست سوى بالون اختبار لمعرفة رد فعل الشارع المصري، فإذا ما سكت الناس على مثل هذه الممارسات، فإن القادم سيكون أكثر سوءاً. وما زالت الأخبار تحمل في طياتها الكثير، ففيها أن الأوامر قد صدرت بتغطية التماثيل كافة، قديمها وحديثها، بوصفها "نصب و أصنام" قد تعيد المرء إلى الوثنية، وليذهب فن النحت والنحاتون إلى جهنم وبئس المصير. ولو صح هذا الخبر لكان فرية عظيمة بحق الشعب المصري الذي ندرك جمعياً أنه شعب مؤمن بالله أعظم الأيمان. لا شك أن الصمت على مثل هذه المقدمات السيئة سيؤدي إلى دخولنا في عصر مظلم جديد لا تعرف له نهاية. أليس كذلك؟