لطفية الدليمي القسم الأول مدخل عن التأنيث والتذكير في اللغة يذكر المفكر الراحل هادي العلوي في فاتحة كتابه القيم (فصول عن المرأة) "أن اللغات السامية من أكثر اللغات تمييزا بين المذكر والمؤنث ويتقاسم التأنيث والتذكير مفرداتها وأدواتها مناصفة وليس ذلك بسبب الحاجز الاجتماعي بين الجنسين كما يزعم الأكاديميون الغربيون
الباحثون في أمور الشرق بأسلوب الصحف الشعبية –إنما يرجع ذلك إلى المكانة التي تمتعت بها المرأة في الحضارات السامية التي انبثقت من مجتمعات الهلال الخصيب المشاعية فحملت من منظومات المرحلة السابقة الشيء الكثير (...) ومن أهمها احتفاظ المرأة بمكانة انعكست في التشريع مثلما انعكست في بروز التأنيث في لغاتها"ص 10-من اللغة ينطلق بحث المفكر هادي العلوي في قضية المرأة وباللغة يبرهن على حقائق تؤكد مكانة المرأة المتقدمة في المجتمعات الأولى للحضارات الشرقية السابقة لظهور الأديان ومن ضمنها حضاراتنا الرافدينية ثم يخبرنا وهو مؤلف (المعجم العربي المعاصر) "أن اللغة العربية وهي أكمل اللغات السامية وأحدثها تؤنث الكثير من مظاهر الطبيعة والمجتمع الكبرى كالشمس والسماء والأرض والحرب والسلم والقبيلة والدولة والحكومة والسوق وتؤنث جموع التكسير كلها "،وإلى هذا يشير القول المشهور لأحد النحاة مخاطبا المتشددين النحويين: لاأبالي بجمعكم كلُ جمعِ مؤنثُ ونعلم أن نصف أعضاء الجسم مؤنثة الأسماء ونصفها مذكّر وكذلك القاموس العربي نصفه مؤنث ونصفه مذكّر. لكن بعض النحويين المتشددين يقرر " لو كان هناك حشد من النساء يبلغ عددهن المئة وبينهن امرأة حامل فيجب تذكير مخاطبة هذا الجمع فقد يحتمل أن يكون الجنين في بطن المرأة ذكراً!!!" وينبئنا هذا الرأي المفرط في ذكوريته أن اللغة استخدمت لاحقا أداة تمييز عنصري صارخ ضد النساء باجتهادات النحويين المتشددين..مدخل تاريخي حول أوضاع النساء لم تكن المرأة مغيّبة أو مقصاة منذ البدء، بل أن عصورا أمومية مرّت على البشرية كانت فيها النساء مهيمنات على المشاعيات الاقتصادية الأولى، وكانت المرأة تمسك بزمام الأمور وتسيّر الحياة وتبتكر وتنتج دون قيود مسبقة من قبل المجتمعات المتضامنة الفقيرة،ولم تكن هناك جماعة مسيطرة أو شخص متحكم فالجميع كانوا يكدحون ويتقاسمون الناتج والغلال التي يجمعونها ولكن،عندما اكتشفت المرأة تقنية الزراعة تغير الوضع البشريّ وحدثت قفزات في مجال إنجاز المرأة وتبدلات في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع البدائيّ، ثم أفضت المتغيرات الاقتصادية اللاحقة ونشوء بذور الدولة إلى تراجع تاريخي لدور المرأة..لقد أنقذ ابتكار المرأة لتقنية الزراعة الجنس البشري من الفناء جوعا، وأحدث ثورة حضارية وثقافية كبرى، ووضع البشرية على منعطف مهمّ وساعد في تكييف الطبيعة وفق احتياجات الإنسان بدل أن يسعى الإنسان للتكيف مع أحكام الطبيعة..ووضع (إنتاج القوت) حداً للحياة الهمجية وعصور الصيد وجمع القوت وانتهت أزمة الطعام، وعند هذا الانقلاب الحضاري بدأ دور المرأة ومنجزها الرائد في تغيير نمط العلاقة بين الإنسان والطبيعة وبين جنسي النوع الإنساني: الرجل والمرأة، فبعد أن كانت العلاقة بينهما علاقة اتحاد وتضامن إزاء الطبيعة تحولت عبر نشأة (الملكية الخاصة) التي أدت إليها الزراعة -إلى علاقة مالك ومملوك وسيد وعبد، وبدل أن يترسخ تحرر الإنسان من هيمنة الطبيعة، دفعت النساء ثمن اكتشافهن الزراعة عبودية عمل وكدح امتدت حتى يومنا هذا. كان دافع المرأة لاكتشاف وتطوير الزراعة عرضيا أول الأمر فهي بمراقبتها تحولات الطبيعة خلال تعاقب الفصول، تعرفت إلى إمكانية إنبات البذور في التربة الرطبة بعد المطر وعندما نجحت في إقامة أول حقل لها انبثقت رغبتها في (الاستقرار) قرب هذا الحقل في مواطن شبه ثابتة وامتلاك مسكن يحمي من غضب الطبيعة ويعدها بالأمان، وهكذا استقرت الجماعة البشرية- التي كانت تطارد الفرائس وتجمع القوت من البراري - قرب مصادر المياه ومواطن المطر وغادرت الكهوف والمغاور.. وبتوفر القوت ظهر هناك فائض من الوقت لدى النساء، واستطعن رفد الحياة بكشوفات مهمة كتقنيات صنع الخزف والفخّار وتقنيات النسيج، مثلما بدأن في ابتكار أغان ترافق تلك الأعمال بمعنى قول الكلام المنغم -الشعر- فظهرت أغاني الحصاد وأغاني النس
تاريخ اضطهاد النساء و ثقافة المجتمعات
نشر في: 10 فبراير, 2012: 08:07 م