بغداد /المدى المحل كان دافئا رغم برودة الجو في الخارج خلال موجة البرد التي ضربت بغداد مؤخرا، وديكوراته تدل على ذوق رفيع تشجع الزبون على التردد عليه، وقبل أن نتوجه بالسؤال إلى كريم حسان ( 22 ) عاما صاحب محل الحلاقة في منطقة الكرادة ،لفت انتباهنا الأثاث الراقي وأجهزة الحلاقة الحديثة وحتى الفوط التي توضع على صدر الزبون كانت تحمل رسومات فيها ذوق عالٍ :يقول كريم "منذ أكثر من عشرة أعوام حصلت على شهادة مهنية من مركز في لبنان للتجميل
وافتتحت أنا وأخي هذا الصالون، خاصة أن "الشهادات الجامعية الآن ما توكل خبز"، ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتهج بصمة خاصة بنا، وأنا عن نفسي أتعامل مع مهنتي كما الرسام الذي يجب أن يتسم بالذوق العالي، والهدوء والصبر". علاقات رفيعة المستوى أخوه الأكبر "اشرف" هو الآخر كان مهندماً، أخذ بالتدريج يكسر حاجز الرسمية عندما قال :"الحلاقة" أدخلتني مدرسة الحياة الاجتماعية على أصولها، ومنحتني مفاتيح التعامل مع كافة الأصناف، هي مهنة "علاقات عامة، فمن خلال "الشغل النظيف والعشرة الطيبة" عقدنا الكثير من الصداقات مع الزبائن التي ساهمت بعضها في تسهيل مصالحنا، وهذا كله يأتي من خلال تجاذب أطراف الحديث"، مضيفاً بابتسامة فخر :"لي ابن عم يعمل حلاقاً لأحد المسؤولين ، وقد تمكن بسبب علاقته الوطيدة به أن يمنحه تأشيرات سفر لبعض الدول". قواعد حفظ الصحة: تتمثل في حفاظ الحلاق على نظافة الجسم ورائحة الفم، و"النفس" ومعالجة مصدر الرائحة الكريهة، وعلى صاحب كل صالون مراعاة الشروط الصحية للأدوات المستخدمة حفاظاً على صحة "الزبائن" من أمراض الكبد الوبائي والايدز. فيما ينتقد زيد عبد الله صاحب محل حلاقة في منطقة المنصور دخول بعض الشباب الطارئين على مهنة الحلاقة إلى سوق المنافسة ، مؤكدا "أصبحت الحلاقة مهنة من لا مهنة له ، وانتشرت معاهد تعليم الحلاقة في كل مكان". إنها البطالة يا سيد، كما يذكر محمد سعد وهو شاب في السادسة والعشرين من عمره تخرج منذ سنوات من كلية الآداب ولم يجد عملا غير أن يتعلم مهنة الحلاقة ويفتح محلا في منطقة بمدينة الحرية .متابعة الموضة ويعتبر الأخوان حسان أن من أجمل أيام السنة في محلهما هو يوم عرفات ومواسم الأعياد، حيث يقرآن في وجوه الناس الرغبة في الفرح، وأضاف اشرف وهو يتقاضى أجرته من زبونٍ مضى:"الأسعار تتغير و تتأثر بالأحداث السياسية، لاسيما مع ارتفاع أسعار السلع اللازمة مثل الكريمات والجل". ويشدد على أن "جهاز التعقيم" هو أهم ما يجب أن يحرص عليه الحلاق، منتقداً قصور بعض الجهات الرقابية في عدم ممارستها الرقابة الصحية على صالونات الحلاقة.أثناء الحديث جاء طفل ليحلق رأسه، فتنهد كريم "صاحب الشعر الحالك" قائلاً:"أكبر إنجاز عندما يقع تحت يدي طفل يحرك رأسه كثيراً، واستطيع التحكم فيه بطريقة متقنة". وأكد وهو يلقي نظرة على شاشة التلفاز :"طبعاً نحن نتابع الموضة وقصات الفنانين، والشباب عادة ما يطلبون قصة عمرو دياب وتامر حسني، والآن الطلب أصبح على صباغة شعرهم باللون الأصفر أسوة بالممثل التركي "مهند"! منغصات الحلاقة الحلاقة لديها ما ينغص عليها كما يقول عدي ماجد ( 22) عاما : " إنه بعد سقوط النظام كانت هناك جهات شتى بينها ميليشيات وعصابات مسلحة وراء تهديدات الحلاقين بقطع رؤوسهم، فكان الكثير من الحلاقين يلجأون لمزاولة عملهم بشكل سري، وباتت مهنة الحلاقة والحلاقين ، هدفاً لرصاص العصابات المسلحة والميليشيات، فبدلاً من أن تكون مهنة تدر على صاحبها الرزق الوفير باتت تستنزف معها حياتهم بعدما أصبحوا عرضة للقتل المبرمج تحت تسميات طائلة وفتاوى تأخذ معها أرواحهم الواحد تلو الآخر ولم يفرق الموت بين النساء والرجال الذين يمتهنون هذه المهنة القديمة الحديثة ثم ما لبثت هذه الاعتداءات حتى تلاشت تدريجا ولكن بعد قتل الكثيرين منهم.. وأمام هذا الوضع تحول اغلب أصحاب محال الحلاقة النسائية والرجالية الى العمل بشكل خفي خوفاً من المجهول الذي ينتظرهم بعد أن قضى كثيرون من زملاء المهنة نحبهم بطرق بشعة تحت بند التحريم حتى اضطر بعضهم الى تعليق الإعلانات التي تتماشى مع فتاوى المتشددين على زجاج محالهم مثل "نعتذر عن أخذ الخيط" بالنسبة للرجال أو "نعتذر عن عمل مساج الوجه" كونها لا تمت للرجولة بصلة ـ بحسب المتشددين ـ في ما يعلق الحلاقون الآخرون إعلانات يعتذرون فيها عن ممارسة القصات الحديثة للشعر للشباب أو حلق اللحية وهذا ما يلاحظ كثيراً في المناطق ذات الغالبية السنية التي تسيطر عليها الجماعات المتشددة. يقول ليث عادل 24 عاما، زبون في احد صالونات الحلاقة بمنطقة بغداد الجديدة :" أنا زبون دائم في هذا الصالون لأنني أجد من يفهمني ويقدم لي النصيحة في الحلاقة ليعطيني منظرا جميلا وأنا أحب قصة "السبايكي" لأنها تعطي الوجه شكلا جميلا ويناسب الموضة. فيما يرى زبون آخر في الصالون نفسه باسم علي ( 27) عاما : "أقصد صالونه دائما ليس فقط لأنني أعرف أنه يجيد الاعتناء بمظهري بل لأنه يتابع كل جديد في عالم الحلاق
صالونات الحلاقة بديلا عن البطالة..شباب: "الشهادات ماتوكل خبز"
نشر في: 11 فبراير, 2012: 07:59 م