د. سوزان الخالديلندنرغم الغياب الحكومي اشترك العراق وارتفع اسمه في مهرجان للعود الدولي الذي حمل عنوان (آلة العود من حضارة سومر إلى اليوم)، نُظم المهرجان من قبل معهد الدراسات والأبحاث الموسيقية البريطاني وبتبني جامعة السوربون الفرنسية على مسرح جامعة لندن
حيث يحتفل المهرجان كل عام بهذه الآلة الموغلة بالقدم باعتبارها الأقدم بين آلات العالم الموسيقية والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 5000 سنة، وجاءت من أوروك جنوب العراق. المؤتمر يشكل تحديا واضحا للادعاءات بشأن إن الوجود الأول لآلة العود يعود إلى الحضارة الساسانية أو الى الحضارة المصرية، ورغم الفارق الزمني بين حضارة مصر التي هي أقدم من الساسانية بكثير، يصر الباحثون الإيرانيون على إن العود ساساني ورغم إن حضارة سومر وجدت قبل المصرية بـ 500 سنة أيضا يصر الباحثون المصريون على الاعتقاد نفسه، وإذا كان التقارب الزمني بين الحضارتين المصرية والسومرية العراقية هو مبرر ضعيف للادعاء فالحقيقة إن حتى هذا المبرر الضعيف لا يتوفر لدا الادعاء الساساني، لان الفارق الزمني بين وجودهما يتجاوز الـ 2500 سنة،من هنا جاءت أهمية المهرجان والمؤتمر العالمي هذا وبتنظيم اعرق الجامعات الأوربية (لندن – السوربون) لتقطع الادعاء باليقين ابتداءً بالعنوان (العود منذ أصوله السومرية إلى يوم). كل هذا بغياب الحضور الرسمي الحكومي العراقي فلا السفارة في العراق ولا الملحقية الثقافية ولا وزارة الثقافة حركوا ساكنا لهذا الحدث الثقافي الذي تجيش له الإمكانات من قبل أي دولة بمجر الاستحواذ على الأولية فيه.rn وبدعوة خاصة من قبل المنظمين، اشترك المؤلف الموسيقى وعازف العود المنفرد العراقي البريطاني أحمد مختار فيه، بدأ عرضه بمحاضرة قصيرة بعنوان (مدراس العود في الوقت الحاضر – العراقية – التركية – العربية التقليدية) وتناول فيها الاختلاف بين أساليب العزف على العود والمقامات المستخدمة في كل مدرسة، كما تخلل المحاضرة بعض نماذج العزف العملي، بعد ذلك قدم مختار أمسية على العود المنفرد عزف فيها من أعماله الموسيقية الجديدة (أصابع بابلي) وهي طريقة العزف القديمة التي توصل إلى أسلوبها عن طريق العمل مع عالم الآثار البروفسور رتشرد دامبرل، كما قدم تقاسيم جديدة على مقامات مثل الحجاز والأوج والمحمداوي وهو طور تعود جذوره إلى حضارات وادي الرافدين القديمة ولا يؤدى إلا في العراق، كما قدم أعمالا أخرى.أقيمت في المهرجان أمسيات موسيقية ومحاضرات وأبحاث جديدة أشترك فيها أهم علماء الآثار والباحثين والموسيقيين في العالم. وفي محاضرته الفريدة باكتشافها الجديد ذكر عالم الآثار البروفيسور رتشارد دمبرل: إن الظهور الأول لآلة العود يعود إلى 3200 قبل الميلاد وهو موجود حاليا في رقم طيني اسطواني في المتحف البريطاني وهذا آخر اكتشاف في النقيبات، والرقم عبارة عن قارب صغير تجلس في آخره امرأة في يدها آلة صغيرة هي عبارة عن شكل العود القديم، لكن البعض اعتقد انه مجداف القارب وليس عوداً، لكن فرضيتي هي لا تمسك المجداف بل تمسك العود الآن أصابعها من اليد اليسرى مفترشة ذراع العود فالأصابع مفتوحة وجاهزة للعزف وليست مغلقة للقبض على المجداف، وبالأخير الكل اتفق على هذا التحليل وهذا الدليل الأقدم. الدليل الثاني على وجود العود هو الذي جاء في العصر الاكدي 2200 – 2350 قبل الميلاد وهو الشائع الى قبل اكتشافنا الأخير، لكننه يعتقد إن الظهور الأول في العالم هو منذ 3200، قبل الميلاد الذي وجد جنوب العراق في أوروك، والآن مع هذه الحقيقة لابد إن نغير معلومتنا على أن الوجود الأول للعود هو 2350 ويجب إن نقول الوجود الأول للعود يرجع إلى 3200 قبل الميلاد.rn إما البوفيسور وعالم الآثار ثيو كرسبنغ فقد ذكر في محاضرته عن موضوع اسم أوروك منبع العود الأصلي في جنوب العراق أو اسم أور وصلتهما باسم العراق الحالي: يذكر، إن الناطقين باللغات الأوربية من المنقبين لا يلفظون حرف العين (فمثلا كلمة عود يلفظوها(أود) كما لا يلفظون كلمة القاف فيلفظوها (كاف) لذا اسم مدينة (اور) السومرية هو بالأصل(عور) واسم مدينة (أوروك) السومرية أيضا هي بالأصل تلفظ باللغات السامية القديمة(عوروق)، ومن هذا المنطلق اللغوي يعتقد ان اسم مدينة (عوروق) تحول في لغات حضارات وادي الرافدين القديمة تدرجيا ليصبح عوراق ثم عراق.هكذا انتهى المهرجان الذي حضره جمهور كبير من مختلف الثقافات ودام ثلاثة أيام وبمشاركة أكثر من 20 عالم آثاري وأحد اشهر الموسيقيين العالمين في اختصاصه اليوم، ولكن المؤسف له هو الغياب الكامل لأعضاء السفارات العراقية أو أي من مسؤولي الثقافة ولا ملحقها الثقافي الذي نعرف عدم اكتراثه جيداً، فإن أكنت تعلم بالحدث فتلك مصيبة وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم يا فخامة الملحق.
في أكبر مهرجان موسيقي في بريطانيا..علماء الاثار: أوروك منبع العود الاصلي
نشر في: 12 فبراير, 2012: 06:46 م