جاسم العايفلعبت الصحافة في العراق علنية وسرية دوراً مهما في المسيرة الوطنية ، وحاول الحكام لجم الصحفيين، وتعرض بعضهم للسجن والنفي والتعذيب واختفى دون معرفة مصيره ،ومنهم مَنْ ارتقى المشانق لقاء قناعاته من اجل تبديد المظالم التي أحاطت بكل العراقيين دون تمييز ، وبعد سقوط النظام انفتح الفضاء أمام العراقي بما يبدد عزلته وخنقه طوال أكثر من 35 عاماً. والآن تتكرر المأساة بطرق اشد تجاه بعض الصحفيين والإعلاميين لشراء ذممهم وعزلهم عن شعبهم ،
وعند عدم استجابتهم فلا شيء سوى الابتزاز والاختطاف والقتل. عُدَ العراق اخطر المناطق التي تحيط بعمل الصحفيين ، إذ قتل فيه أكثر من 198 صحفيا وإعلاميا عراقياً، و22 أجنبياً، واختطف 45 عراقياً وأجنبياً، وتم الإفراج عن بعض الأجانب بفدية مالية ضخمة دفعتها دولهم عبر وسطاء محليين! أما الصحفيون العراقيون الذين تم اختطافهم فتعرضوا للتعذيب بوحشية وأصيب بعضهم بعاهات دائمة ولا يزال بعضهم مجهول المصير وتبخروا كأن لم يكونوا قد وجدوا في الحياة ، وعلى الأرض العراقية بالذات. كل ذلك جرى للصحفيين والإعلاميين وهم يحاولون نقل الواقع والأحداث في بلد أصبح بعد زلزال 9 /نيسان 2003 نهبا للتخريب والسرقة، وكان يمكن معالجة تلك الأخطاء الفادحة ، من قبل النخب السياسية ،التي قادتها رياح التغيير العاصف ، إلى هرم السلطة، وبعضهم تعامل مع العراق- ولا يزال – على انه غنيمة معروضة، في أسواق الجزارة والنخاسة السياسيتين، فأنشبوا سكاكينهم فيه، كل يقتطع ما يشاء، ويسدد ما عليه من فاتورات ، أو يعوض سنوات الحرمانات. كلهم يقتلون العراقيين، مَـنْ قصر (دشداشته) وفجرَ حزامه الناسف بينهم آملاً بـ"حور عين"، أو مـَنْ زيف وعيهم من على المنابر ، أو مـَن خان أمانتهم وسرق أموالهم وأحلامهم بعد التغيير. يواجه الصحفي الحر سواتر ومعوقات وحدوداً وخفايا لا يرغب اغلب المسؤولين في أن تظهر للعلن فهم يعتقدون بان مهمتهم (لملمة) و (طمطمة) شؤون مؤسساتهم التي ورثوها عن نظام فاسد ، فأحاطوا أنفسهم بمكاتب (إعلامية) تجمل صورتهم ، هم المفروضون من هذه الخانة الطائفية أو تلك الجهة الحزبية ، وباتت أدنى الوظائف، تخضع لكل شيء عدا الكفاءة وحق المواطنة، فيعتقد هذا القادم بلا وجه حق للمنصب أن مهمته تنحصر في لجم الإعلام المعني بنقل الحياة الشاقة للعراقي ، وان ما يظهر للعلن يجب ان يأتي وقناعته وحزبه وطائفته التي فوض نفسه تمثيلها. فغدت الاتهامات بـ(الخرق الصحفي) نصيب مَنْ يتساءل عن جدوى تلك الإجراءات أو يسلط الضوء على الفضائح وفساد الذمم والضمائر وتردي الخدمات. بعض المسؤولين - ويسدد خطاهم فقهاء احتكار الدين والمذاهب بمنابرهم في كل آن والجمعة بالذات لمصالحهم الدنيوية - يوجهون العداء والبغضاء والكره ويمارسون التحريض، ضدَ المثقفين والكتاب والفنانين والصحفيين وكل مَنْ يروم تجديد الحياة، مواجهين مَـنْ لا ينسجم ومنافعهم وتوجهاتهم بشكوك دائمة فيصبح محاطاً بسوء النوايا جراء عمله الحر المستقل وبحثه الدائب عن الحقيقة التي غالبا ما تختفي خلف مطامع تخضع لسرية مَنْ وصل لمنصبه لأسباب لم تعد خافية. ويغدو الصحفي الذي ينبه عن خطأ هنا او هناك "خصماً ينبغي تهديده أو التخلص منه" لصالح أولئك الذين اغرقوا العراقيين وسيغرقونهم ثانية ببرامجهم الانتخابية التي ما عادوا يذكرونها الآن وكانت وسيلتهم، وأشياء مقيتة أُخر، إلى غرفهم الوثيرة التي لا يصغون فيها إلا للأحاديث الناعمة لنخبهم ، مشيحين وجوههم عن واقع الناس المزري ، داعين هذا أو ذاك من الأدعياء والمنتفعين الذين تسلقوا المشاهد الراهنة بخفة القرود وشراسة ولؤم وغدر النمور الى مشاركتهم فتات الوليمة العراقية الحالية.أما ذوو الضمائر النقية التي ترى أن كلماتها قضيتها الأساس بنقل الوعي الاجتماعي لمناطق أرحب مما هو عليه ، والمساهمة في صياغة مستقبل العراق وشعبه وأمنه والحفاظ على تاريخه وثرواته، وإيصال الأصوات الملتاعة التي تراقب ما يجري الآن بذهول وألم ولم تتوقع حصادها المُر، فلا يمكن لهم الركون للصمت ، لأن العراق وتطوره ورفاه شعبه أثمن ما يمكن الحفاظ عليه، في زمن بات بعض اللاعبين يدفع به نحو ظلامات المستقبل والمجهول المرعب.
كلـهـم يقتـلـون!
نشر في: 12 فبراير, 2012: 07:59 م