أحمد عبد الحسينالقمة العربية التي عقدت عام 1978 في بغداد، جاءت إثر أزمة عربية كبرى أشعلتها زيارة السادات لإسرائيل وعقده إتفاقية كامب ديفيد، كان العراق بحاجة للقمة أكثر من احتياج العرب لها، كان يريد توكيد زعامته العربية بعد غياب “أو تغييب” الشقيقة الكبرى مصر، وكان صدام حسين “النائب آنذاك لكنْ الشخص الأقوى في الدولة” أشدّ من الجميع احتياجاً لها، لتهيئة شخصه لزعامة سيعلنها عما قريب.
القمة كانت مسبوقة بأزمة “هي زيارة السادات” متبوعة بكارثة “هي صعود صدام وحرب إيران”، وكان العراق “وصدام” يريد عقدها ونجاحها بأي ثمن.ذات الأمر يمكن أن يقال عن قمة 1990 التي استضافتها بغداد أيضاً، كان عقدها حاجة ملحّة للعراق “الخارج تواً من كارثة حربه مع إيران” ولصدام “الطامح إلى ضم الكويت إلى ممتلكاته وبسط سلطانه الرمزيّ قائداً للعرب” ولهذا كان نجاحها مطلوباً بأي ثمن. هي قمة أخرى مسبوقة بكارثة ومتبوعة بكارثة أكبر، فما ان رجع القادة العرب إلى عواصمهم حتى تحركتْ جحافل صدام الى دولة شقيقة لتجعلها محافظة. قبل وبعد كلّ قمة عربية تعقد في بغداد هناك أزمة تصل إلى حدود الكارثة، وهناك رغبة عراقية شديدة، وأخرى شخصية أشدّ، لالتئام العرب في بغداد. وأحسب ان القمة المقبلة التي ستعقد الشهر المقبل لن تشذّ كثيراً عن هذه الترسيمة.تريد الحكومة من “القمة العربية” أن تكون إنجازاً يحسب لها بأي ثمن، فقد صُرف الكثير من أجل أن يقال ان في العراق أماناً يكفي لحضور زعماء العرب، رغم ان هؤلاء الزعماء “أو من سيحضر منهم” سينتقلون مباشرة من المطار إلى قاعة الاجتماع ومن قاعة الاجتماع إلى المطار ولن تستغرق إقامتهم في بغداد سوى ساعات، لكنها قمة على أية حال، وهي ستكون مكسباً للعراق “الخارج من زلزاله الأكبر، الخائف من بلوغ الانقسام المجتمعيّ والسياسيّ فيه حدّ التقسيم، والطامح إلى لعب دور في ظلّ تهميش دور دول عربية كمصر وسوريا وتونس والبحرين وليبيا واليمن بعد ثورات شعوبها لنيل حريتها”، ويراد لها أن تكون مكسباً شخصياً للمالكيّ أيضاً الذي سيستثمرها حتماً لزيادة قواه وهو في صراعه الأزليّ مع خصومه الذين يتجددون وتتغير وجوههم في كلّ آن.سيكون للقمة طابع استعراضي، كما في كل القمم، وستكون ناجحة حقاً لو انها أعادت العراق إلى مزاج العرب الذين أصبح بينهم وبيننا ـ منذ سقوط الصنم ـ جدار من نار. أما المكاسب الشخصية لهذا أو ذاك فتحقيقها أكثر سهولة، لأنها تتطلب شيئاً أقرب إلى العرض المسرحيّ، استقبال وتوديع وقبلات وكلام دبلوماسيّ، ربما لهذا سيحضر ممثلو الوفود العربية هذه الأيام لعمل بروفة مسرحية قبل افتتاح العرض الكبير.
قرطاس: العراق في القمة
نشر في: 12 فبراير, 2012: 08:01 م