وديع غزوان بغض النظر عن مدى تأثر التظاهرات الشعبية التي عمت اغلب أنحاء العراق ومن ضمنه إقليم كردستان ، بأحداث الربيع العربي الذي انطلقت شرارته في تونس ، فإنها نبهت لمظاهر سلبية تعرقل البناء الديمقراطي وتعيق تطور العملية السياسية، ومنحت السياسيين فرصة المراجعة للمسيرة السابقة.
المتظاهرون في بارك آزادي في السليمانية دعوا في السابع عشر من شباط من العام الماضي الى تغييرات وإصلاحات ، كانت قد شخصتها الكتلة الكردستانية في ورقة عملها غير أنها لم تقطع شوطاً كبيراً يتناسب وحاجة الشارع الشعبي الملحة ، لذا فقد حرصت الجهات المسؤولة من برلمان وحكومة الى الاعتراف بوجود أخطاء دون اللجوء الى أسلوب التبريرات الجاهزة والكلمات المعسولة . الجميع عبر بهذا الشكل او ذاك عن تأييده لمطالب المتظاهرين ، وقدم رئيس إقليم كردستان ورقة عمل للإسراع بإجراء الإصلاحات وكان قد سبقها أكثر من دعوة للجميع - مواطنين وأحزاب ومؤسسات - للعمل "معاً للوصول إلى نتائج، مضيفا أن طريقنا بعيدة وطويلة ويجب حدوث إصلاحات سياسية واجتماعية ويجب الانتهاء من الفساد في أي مكان كان .. ". لم تخل التظاهرات في السليمانية من مظاهر عنف وممارسات بعيدة عن القانون ، وضعت السلطة في اختبار صعب ، حيث كان عليها التفريق بين مطالب المتظاهرين ومحاولات البعض استغلالها لإحراج النظام هناك ، فكانت الدعوة لاجتماع كل الأحزاب الكردستانية عاملا أسهم في تهدئة الأوضاع ووضع برامج تنفيذ واقعية. في الثالث والعشرين من شباط اجتمع الديمقراطي والاتحاد الوطني والتغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية، لم تكن وجهات النظر متطابقة لكنها اتفقت على مشتركات من أبرزها ضرورة الإصلاح وأهميته. البرلمان بدوره عقد جلسة استثنائية وحدد 17 نقطة تمحورت حول دعوة الحكومة للاستجابة لمطالب المتظاهرين مع تأكيد مسؤولية الكل بالحفاظ على ما تحقق من مكتسبات . اليوم ومع اقتراب الذكرى السنوية لتظاهرات آزادي لابد من القول أن هنالك خطوات مهمة قد تحققت غير أن السؤال المهم الذي يجب أن يسأله كل سياسي لنفسه يتعلق بمدى اقتراب كل واحد منهم من روحية تظاهرات شباط . قد يكون في كلمة رئيس الإقليم التي خاطب بها الكردستانيين في الثامن والعشرين من شباط العام الماضي بعض الأمل مع ما يرافقها من تصريحات للمسؤولين يعترفون فيها ببعض مظاهر الفساد، لكن هذا لا يلغي الحاجة الكبيرة لفعل ملموس يقربنا من هموم الشارع ويعبر عن صدق الاستجابة لصوته ويطمئنه على تجربته بمزيد من المكتسبات للطبقات الفقيرة التي نتمنى ألا نرى لها صورة في المستقبل. ما حصل في كردستان من منجزات ليس بالقليل وبعضه غير مرئي لكنه يحتاج الى تسريع . الآن ونحن نمر سريعاً على تظاهرات شباط العام الماضي في السليمانية قد يكون من باب الوفاء استذكار ما حصل في الخامس والعشرين من الشهر نفسه في بغداد وتحديداً في ساحة التحرير عندما تحدى الآلاف من المواطنين حواجز السلطة وإجراءاتها لتطالب بحقها في تصحيح مسار العملية السياسية من خلال الإصلاح والتغيير، وكيف جوبهوا بالقمع وموضوعة المائة يوم وما أعقبها.. نستذكر هذه الجمعة وما تلتها لنقول للبعض إن زمن الخوف قد ولّى من غير عودة، وإن شرعية أي نظام تُستمد من تلبية مطالب الملايين المسحوقة وليس قهرهم، إنها روح تظاهرات شباط فلا تنسوها.
كردستانيات :روحيّة تظاهرات شباط
نشر في: 14 فبراير, 2012: 10:38 م