TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :في بيتنا طاغية

أحاديث شفوية :في بيتنا طاغية

نشر في: 14 فبراير, 2012: 11:14 م

 احمد المهنا هناك لحظات بهجة لا تنسى في حياة الأفراد والجماعات. وهي نادرة في عمري. واحدة منها موجات الربيع العربي المتتابعة أيام دفقها. حينذاك كان الوهج اللافح للثورة المصرية يحرك في داخلي أهواء لا أعرف ماذا أصنع بها، وأنا في ديرة لندن "الأبرد من ثوب السقاء". لا مشاهدة التلفزيون كافية، ولا الكتابة وافية، ولا شوفة الأصدقاء شافية.
ولحسن الحظ فان عائلتي ذات الأربعة أنفار كانت ملتمة في البلد. فجعلت من زوجتي، من باب التشابيه، " مستبدة". وصرنا نحن الثلاثة نطاردها في أنحاء البيت، بهتاف " الشعب يريد اسقاط النظام"!وعلى ما يبدو فإن " المستبدة" استمرأت دور " الدكتاتور"، فأخذت تتعالى علينا، تارة بالنصح، وطورا بالتوبيخ، وثالثة بالعبوس، وصولا الى استخدام القوة المفرطة، وهي في هذه الحال رفع وتيرة الصوت. ولم يكن كل ذلك لينفع معنا، ذلك ان نسائم " الربيع العربي" حركت لواعجي، واخرجتني عن طوري، وتكهرب زيد ورباب بحماسي، وصار البيت، الله وكيلكم، ثورة.ولكن الملفت هو انني لم ألاحظ عليها انزعاجا "حقيقيا" من اتخاذنا لها رمزا للاستبداد. وقد تكون ملاحظتي هذه غير صحيحة. فأنا لا أجد فيها شيئا من الإستبداد، عدا قلة صبر على الحوار، وعدا همسات حولها من الأصدقاء، تدور حول تلقيبها بالمرأة الحديدية. لكن هناك في المقابل من لقبها بالمرأة الصابرة. والحق ان اللقب الأول أشيع، بينما الثاني انفرد به بين الأصدقاء الأديب " المذوق" زهير الجزائري.وانا أميل الى الثاني، دفاعا عن نفسي، لا عنها فحسب، حتى لا ابدو بنظر الأصدقاء ضعيفا مستسلما. وفي ذهني الكثير من صور الشخصيات الضعيفة المستسلمة في البيت، القوية الآمرة في المعسكر أو " الدائرة". وأما صاحبتنا، ربي يحرسها، فهي فعلا المرأة الحديد ولكن لكثرة ما صبرت، لا لشدة ما استبدت.وعلى أي حال فإنني إنطلاقا من هذه " الخبرة المنزلية"، غالبا ما أتوجه الى أصدقائي برجاء أن لا يتهموا حاكما، حديث عهد  في السلطة، بالدكتاتورية، أولا خشية من أن يصدق الرجل التهمة فيتلبسها غير آبه بالعقابيل، كما كادت تفعل أم زيد. ثانيا، وأهم من ذلك ربما، اننا لم نرتق بعد درجات كافية من سلم الديمقراطية، حتى تصبح التهمة جارحة او مهينة حقا. وكان صدام يأنس الى كلمة " دكتاتور" كلما " اتهمه" بها جورج بوش أيام احتلال الكويت، الى ان نبهه الى ذلك أميركي لبناني خبير في مفاخر ومعرات العرب. وقال له : مولانا اذا كان مقصودك الإهانة فخاطبه باسمه مجردا بلا دكتاتور بلا طاغية. واستجاب بوش، وتخبل صدام، ذاك يهينه حتى يتصلب ويبقى في الكويت، وهذا "الشفية" يمتثل ظانا أنه يثور، الى أن وقعت القارعة.ولست مع اهانة أحد، معاذ الله، ولكن كل " دكي ومدكوكي"، هو اليقظة من غيلان الاستبداد، المستحكمة في أعماقنا ، وأن لا نلوم إلا أنفسنا اذا ما ظهر بيننا او تحكم فينا، لا سمح الله ، طاغية. فالحاكم صورة المحكوم. والصورة تتغير حين تصبح عندنا الدكتاتورية سبة، والطغيان معرة، والإستبداد جناية، قولا وفعلا: وهذا موعد بعيد مع التاريخ، وقد فتح الربيع العربي أمامنا أفقه!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram