سرمد الطائي لمن يعترضون علينا بالإكثار من ذكر إيران في الصحافة العراقية، اردد كلمة سمعتها من كبار ناشري الصحف في الخليج: "إيران شأن محلي للخليج والعراق" والدليل ان الناطق باسم الحكومة علي الدباغ طلب ان يجري استثناؤنا من العقوبات الدولية على طهران، بينما حذر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من ان يجري رفع الحصار عن ايران على حساب الوضع العراقي.
واجد ان ما نسب الى السيد مقتدى أكثر نضجا بكثير من موقف حكومتنا فهو يقول ان على العراق مساعدة إيران شرط ألا يعود ذلك بالضرر على بغداد مستخدما في بيانه قاعدة "لا ضرر ولا ضرار". وهذه ثاني مرة يسجل فيها الصدر تفوقا في النضج على حكومة نوري المالكي خلال بضعة أسابيع، فغداة رحيل الجيش الأمريكي نهائيا، كان رئيس الحكومة يحضر لحفلة انتقامات من خصومه في القائمة العراقية، بينما كان الصدر يجهز ميثاق شرف يضمن تهدئة الأجواء بعد خروج الأمريكان.والحقيقة ان الأخبار الواردة من إيران لا تبعث على الفرح. فهناك انهيارات اقتصادية ومخاوف اجتماعية متزايدة من اثر العقوبات. وهناك 600 الف برميل كانت إيران تبيعها يوميا للاتحاد الأوروبي وستتكدس في مخازنها خلال الأسابيع المقبلة حيث لن يشتريها احد بموجب العقوبات والمقاطعات، كما ان إيران بدأت تعمل بمبدأ المقايضة المعمول به في العصر الحجري، اذ لم تعد تمتلك عملة صعبة كافية، وهي تشتري السكر بمقايضة القمح، وتقتني اللابتوب وأجهزة التبريد بمقايضة السجاد والفستق.. والحبل على الجرار كما يقال.والأمر سيحزن أصدقاء النظام الإيراني والكثير من معارضيه، فالعقوبات في النهاية ستصعب حياة أجمل شباب المنطقة من الجيل المتعلم والمستنير في كبريات مدن إيران، وهم مشروع تحديث وإصلاح أساسي يمكنه اذا انطلق ان يترك اثارا ايجابية على الشرق الأوسط بمجمله.وسيكون العراق مرغما على التعاطي مع الأزمة الإيرانية بشكل مختلف عن تعاطي المغرب او مدغشقر، فهناك حدود طويلة وعلاقات عبر الحدود ومشتركات ثقافية ودينية..الخ. وكل هذا يبرر للناطق باسم الحكومة ان يحك رأسه حيرة وترددا ليطلب في النهاية "استثناء" يقال ان اليابان طلبت مثله، من عقوبات المجتمع الدولي.لكن الناطق باسم الحكومة عليه ان يتذكر فرقا اساسيا بين العراق واليابان. فالأخيرة هي "دلوعة" المجتمع الدولي الموثوق بكلمتها والتزاماتها كما ماركة سوني او تويوتا المتقنة. بينما العراق يبدأ لتوه بالخروج مما يطلق عليه الكبار اسم "محور الشر"، اي ان كلمة العراقيين ونواياهم واحلامهم وتصرفاتهم لا تزال محل شك امام كل بلدان العالم المتقدم.. ولذلك فإننا تحت الوصاية، وتحت الرقابة، وتحت ألف قيد.. وكل حركة (زايدة) او ناقصة مع طهران ستخرب اي محاولة لحسين الشهرستاني لاقناع عمالقة المستثمرين بأننا تخلينا عن طريقة صدام حسين في ادارة اللعبة الدولية والاقليمية.. وبعبارة مباشرة اكثر فإن في وسع اليابان ان تقدم لايران خدمات عديدة دون ان تشوه سمعتها، وان اليابان قادرة على ان تصحح اي خطأ يحصل هنا او هناك، غير ان العراق سيرتكب عشرات الاخطاء كل يوم في "خرق العقوبات" على الايرانيين خلال محاولتنا مساعدتهم، ويظل موسوما في المجتمع الدولي بأنه البلد الذي اخرجته امريكا من حضن صدام حسين ومحور الشر، فأعاده حزب شيعي يخطب ود قاسم سليماني، الى محور شر في لحظة أكثر خطورة.العقوبات على ايران مرعبة ومؤلمة، والعراق مطالب بوضع سياسة ذكية. والعراق غير مهيأ لوضع سياسة ذكية حتى بشأن رفع ازباله من الشارع، فما بالك بإدارة لعبة معقدة مع ايران محاصرة؟ لا نمتلك سمعة اليابان، ولا دهاء الاردن.. وطهران ستمنع من تصدير النفط وهي تنظر بشهية الى منصاتنا العائمة في البحر وعمالقة البترول وهم يضاعفون انتاج حقول البصرة المحاذية لاكبر حقول الاهواز "المحاصرة"... والصدر يتحدث بطريقة اكثر نضجا من بغداد.. والله كريم.
عالم آخر: العراق وإيران والصدر
نشر في: 15 فبراير, 2012: 10:01 م