احمد المهنالعل كل من شارك في "الاحتجاج العراقي"، الذي تقترب ذكراه السنوية الأولى، تملكه شعور لا يأتي الا نادرا، وذلك هو "الشعور بالتحرر". ان الحرية، برأي احدهم ، أمر عادي. ولكن "الشعور بالتحرر" هو الأمر الاستثنائي. وكان هذا الأمر هو أروع وجوه ذلك الاحتجاج، لمن عاشه . و" أشهد أني عشت" في يوم 25 شباط 2011!
الاحتجاج ربما لم يحقق نتائج ملموسة. ولكن هذه هي الحال غالبا مع وسائل حرية التعبير. فلا ضمانة لأن يحقق استخدامها، فورا، الأهداف التي تسعى إليها.رغم ذلك فإنه لولا ذلك الاحتجاج، لكان من الصعب التدليل على وجود "روح عراقية حية". ان رياح الحرية التي هبت من تونس، وتلقفتها مصر وعممتها، كانت من القوة، بحيث كان من المستحيل على بشر عربي، ذي إحساس، أن لا يتأثر بها. وكانت الاستجابة العراقية دليلا على وجود "هذا النوع من البشر"، وهذه "الروح الحية". الاستجابة العراقية مهمة أيضا ، ففي تونس كما في مصر وليبيا، كانت هناك نسب لا بأس بها، وجيدة أحيانا، من الأمن والخدمات، بل و حتى الحريات خاصة بمصر. وهي في كل الأحوال لا تقارن بنسبة فقرنا المدقع في الأمن والخدمات. ومع ذلك فقد تظاهر شبيبة تلك الشعوب، وكبرت احتجاجاتها، وتعاظمت إلى ثورة. فكيف بنا؟الشبيبة العراقية المتنورة أجابت على هذا السؤال، بإطلاق ذلك الاحتجاج الكبير. نعم كانت اجابة مبتورة، ولكن لأسباب لا تتعلق بها، وانما بالطبقة السياسية العراقية. فالأحزاب والجماعات السياسية في بلدان الربيع العربي، شكلت ظهيرا لاحتجاجات القوى الشبابية، ما صعد الزخم الى ثورة، أطاحت بأنظمة تسلطية، كما تونس ومصر، أو شمولية صريحة مثل ليبيا.أما في العراق فقد كان وراء ظهر الشبيبة المتنورة فراغ : لا حزب ولا تكتل وقف وراء الاحتجاج، لأن الطبقة السياسية هنا مجتمعة تلعب في ملعب مفارق. انه ملعب "العملية السياسية" الغاص بالعصبيات الاجتماعية، طائفية وعشائرية وإثنية. وهو ملعب يستوعب اعدادا هائلة من الناس، لأن السلطات والثروات ووسائل الدعم الإقليمي بيد أرباب تلك العصبيات.وهذه هي اهم وجوه مأساة الاحتجاج العراقي. وهي مأساة قد توجب على أصحاب الاحتجاج، من الشبان والشابات، وكل ذوي "الروح الحية"، ابتكار اساليب جديدة في الكفاح من أجل جعل البلاد مكانا افضل للعيش، بدءا من الخدمات صعودا الى الحريات.واذا كان في نية الشبيبة الاحتفاء بالسنوية الأولى، فلعل أهم ما يجب أن يفعلوه، هو تخليد شهداء 25 شباط ، بطرق منها تعميم الصور والمعلومات عن شخصياتهم، وظروف استشهادهم، والعمل لاستحصال حقوقهم وحقوق ذويهم المعنوية والمادية من الدولة. وباختصار التعريف بهم وتكريمهم. وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فإن عددهم "12 على الأقل". و"على الأقل" هذه تعني ان العدد بالتحديد غير معروف؟! انه لمن الإجحاف التام نسيان هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم من أجل بلادهم. ان الإنسانية تقوم على تقديس حياة الناس. الهمجية وحدها لا تقدر حياة البشر. وفقط من الإحساس بقيمة الإنسان تتعاظم الفرص في وطن أكرم وعالم أفضل. فكيف بشبان افتدوا أنفسهم من أجل مثل هذا الوطن وهذا العالم؟
أحاديث شفوية: شهداء 25 شباط
نشر في: 15 فبراير, 2012: 10:32 م