حازم مبيضينواضح أن القيادة الاسرائيلية تدفع الفلسطينيين بعناد غبي, للقيام بانتفاضة ستكون في حال اندلاعها أكثر شراسةً, وأقوى تأثيراً من انتفاضة الحجارة, التي اشتعلت شرارتها أواخر العام 87 , وخبت شعلتها مع توقيع اتفاقية أوسلو عام 93, فالظروف السائدة اليوم, سواء من حيث انسداد أفق التسوية السلمية, وما يرافق ذلك من ازدياد وتسارع عمليات الاستيطان,
أم ممارسة أقسى أشكال العنف ضد الإنسان الفلسطيني, الذي يعيش ظروفاً اقتصاديةً قاسيةً وشديدة الصعوبة, تدعو كلها لرد شعبي سيكون مفاجئاً للإسرائيليين خصوصاً, وللكثير من القوى التي تراهن على استكانة الفلسطينيين, وخنوعهم لما هو قائم من مماطلة بليدة, يقودها نتنياهو لتمييع المفاوضات, وتقديمها للراغبين في استئنافها وجبة منزوعة الدسم, لاتسمن ولاتغني من جوع. لايتعرض أبناء الضفة وحدهم للقمع, والظروف الاقتصادية الصعبة, فالمسيحيون في كل أنحاء فلسطين وخصوصاً في القدس المحتلة يواجهون حملة إسرائيلية منهجية تستهدف أمنهم وحضورهم ومقدساتهم وكنائسهم, ولا يتوقف ذلك على الجهات الرسمية فقط, وإنما يمتد إلى عصابات منظمة تقوم بحملة تسميها دفع الثمن ضد المقدسات ورجال الدين المسيحيين, في وقت تواصل فيه السلطات تهويد المدينة المقدسة وهي في هذا الإطار تخطط لإقامة مركز تجاري وسياحي فوق أراض بمساحة أربعة دونمات تابعة لدير الأرمن في حارة الشرف بالبلدة القديمة، بالتزامن مع قيام جماعات يهودية باستهداف دير المصلبة التابع للكنيسة الأرثوذكسية, وكتابة شعارات مسيئة للمسيحيين تتوعدهم بالقتل, واستهداف المسيحيين في القدس تحديداً مدروس وسببه امتلاك الكنيسة نحو 50% من العقارات في البلدة القديمة، إضافة للوطنية الصادقة للمسيحيين التي تدفعهم للتصدي للاحتلال ومخططاته.تعرف القيادة الاسرائيلية من جداول المعتقلين لديها, على خلفية القيام بأعمال هي من صلب الانتفاضة الشعبية, كمهاجمة جنود الاحتلال بالحجارة ( سلاح الانتفاضة الرئيس ), أن أعداد المنتفضين آخذة في التزايد, وهي تواجه ذلك بالمزيد من القمع الهمجي, مستعيدةً منهج تكسير العظام, واللجوء إلى الكلاب المدربة على نهش الاجساد, دون أن يفضي ذلك إلى تراجع الفلسطينيين, بقدر ما يزيد أعداد المنخرطين في هذه النشاطات, لأن القاعدة تقول إن ازدياد الضغط يولد الانفجار, خاصة حين تغلي الأمور على مرجل التجاهل الدولي, وانحسار أي اهتمام بوضع حد للتجاوزات الاسرائيلية, ليس على حقوق الشعب الفلسطيني فحسب, وإنما على القوانين والأعراف الدولية, وبما يدفع الفلسطينيين لأخذ زمام أمورهم بأيديهم, وهم يدركون حجم التضحيات التي سيقدمونها بسلوكهم هذا الطريق. الانتفاضة الفلسطينية قادمة إذا استمر الحال على هذا المنوال, وإذا واصلت اسرائيل تجاهل, أو محاصرة الرئيس محمود عباس, وهمشت دوره في صنع السلام, وهو الداعي, حتى اللحظة, لعدم القيام بانتفاضة, على أمل أن تثمر جهوده في التوصل إلى غاية الشعب الفلسطيني, دون المرور بتجربة انتفاضة جديدة يعرف أكلافها, ويحاول تجنيب شعبه دفع هذه الأكلاف, والمظاهرات التي تتزايد يومياً في أنحاء الضفة المحتلة, وإن كان بعضها يخضع لتعتيم إعلامي, كما التكرار المنهجي لمهاجمة جنود الاحتلال بالحجارة, مؤشرات شديدة الوضوح على نفاد الصبر عند شعب قدم آلاف الشهداء للوصول إلى غايته, وهو مستعد لبذل المزيد, وإذا كانت الانتفاضة الأولى بدأت بزخم أكبر وأكثر اتساعاً فان ذلك لايعني أن الانتفاضة التي باتت ملامحها واضحةً للعيان, لن تضم أطياف الشعب الفلسطيني كافة, وأن التوسع في نشاطاتها ليس أمراً بعيد المنال بقدر ما هو مؤكد ومحتوم.
في الحدث: الانتفاضة قادمة
نشر في: 17 فبراير, 2012: 08:10 م