TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > بين الميدان والبرلمان

بين الميدان والبرلمان

نشر في: 17 فبراير, 2012: 10:15 م

لينا مظلوم الملامح الأولى التي ظهرت على أداء أول برلمان مصري بعد ثورة    25كانون الثاني بدأت تؤكد أن التيارات الدينية لم تُكذِب مخاوف المتابعين لتاريخها..طوال عام ملأت الدنيا  تصريحات هذه التيارات عن نيتها المشاركة فقط في الحياة السياسية و رفضها سيطرة قوة واحدة على سلطة القرارات التشريعية و التنفيذية و القضائية..أو التفرد بحكم مصر..
ما أن بدأت خطوات العملية السياسية..أخذت النوايا الحقيقية تتكشف..لتستحوذ الأحزاب الدينية على اغلب لجان مجلس الشعب- البرلمان المصري- بالإضافة إلى منصب رئاسة المجلس الذي أصبحت من نصيب أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين.. و قد وصل الأمر إلى انسحاب عدد كبير من النواب المستقلين و المنتمين  للتيارات الليبرالية إلى الانسحاب من الجلسة التي عُقدت لانتخاب رؤساء و أعضاء اللجان , احتجاجا على استئثار حزب الحرية و العدالة- الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- بأغلب لجان البرلمان.. إذ تبخرت كل وعود الطمأنة (الإسلامية) عن برلمان يقوم على أسس التوافق و المشاركة بين كل الأحزاب و القوى التي يضمها..و استبعاد الانقسامات.اختلاف الظروف العامة للواقع السياسي بين العراق و مصر لم يمنع ظهور بعض ملامح التشابه (البرلماني) بينهما.. بدأت بالتجاوزات التي شابت العملية الانتخابية, إذ مارست الأحزاب الدينية كل وسائل(الضرب تحت الحزام) غير المشروعة كي تضمن استحواذها على أغلبية الأصوات..بل وصلت إلى تخيير الناخبين بين الجنة لمن يمنحهم صوته..و النار لمن ينتخب الليبراليين(الكفار) بعد أن مارست ذات اللعبة على صعيد النقابات المهنية المختلفة.و كما سيطرت دكتاتورية القرار على العملية السياسية في العراق- بعد وعود و تحالفات مُنِحت بعد الانتخابات- مما أفقد البرلمان أساس مقوماته كسلطة تشريعية في دولة يزعُم القائمين عليها أنها تمارس الديمقراطية. الشارع العراقي عبّر عن مشاعر خيبة الأمل و الندم على اختياره بعد أن اثبت فشلا سياسيا ذريعا في إدارة كل أزمات العراق-محليا و دوليا-.. حين خرج خيرة شبابه و مثقفيه في تظاهرات تطالب بالإصلاح و تُندد بالفساد. في مصر تصاعدت نبرة الغرور و التهديد و التطاول على الرأي الآخر من جانب الجماعات الدينية –الإخوان المسلمين و السلفية- ضد ممثلي شباب الثورة بمختلف ائتلافاتها حتى وصلت إلى اشتباكات و تراشق وسقوط ضحايا عند مبنى البرلمان – وهو يبعد خطوات عن ميدان التحرير- الذي أحيطت أسواره بلجان من جماعة الإخوان المسلمين كي تمنع وصول أصوات و مطالب ميدان التحرير,ممثلا في ثواره اللذين أطلقوا شرارة الثورة.. هذا التصاعد المشحون و المُتوقع بين الطرفين , كان نتيجة طبيعية لشعور التكتلات الثورية المصرّة على تحقيق باقي أهداف الثورة بقيام دولة مدنية -و ليس دولة دينية كما ظهر لهم من نوايا الأحزاب الدينية- ضد دعاوى التيارات الدينية التي أعلنت اكتمال هذه الأهداف(بديهيا بعد تحقيقهم الهيمنة على مواقع القرار بنجاح منقطع النظير!!).وجه التشابه العراقي- المصري الآخر هو ضُعف تواصل التيارات الليبرالية و العلمانية مع الشارع- رغم تواجدها بشكل ملموس أكثر في الشارع المصري- إذ مع كون الشارع المصري متدينا بطبيعته, إلا أن الوعي العام يفتقد الانتباه  إلى ضرورة فصل الدين عن السياسة..هذا الخلط بين مقومات و توجهات كل منهما كفيل بنسف أي عملية سياسية يُراد لها الاستمرار و النجاح في ممارسة دورها المطلوب.. و هو أحد أسباب ظهور البرلمان المصري على الشكل الحالي, بما لا يضمن له عوامل الاستقرار و النجاح في حالة استمرار حالة الغليان المتصاعدة بين الطرفين..  بين ميدان التحرير بثواره المعتصمين بإصرار حتى تتحقق مطالب ثورتهم التي يشعرون بأن التيارات الدينية سرقتها و حوّلتها إلى مكاسب سياسية.. خصوصا بعد تفرق شباب الثورة بين عدد كبير من الائتلافات بدلا من تشكيل حزبي قوي يجمعهم.. و فقدوا بذلك قدرتهم على التأثير السياسي.. و بين برلمان بدأت أغلبيته الدينية تُكشّر عن أنيابها الدكتاتورية.كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram