ساطع راجي ذهبت الحكومة بقضّها وقضيضها إلى البصرة لتقول للجميع إنها تعمل ليس فقط في بغداد ولكن أيضا في المحافظات وفي مقدمتها البصرة التي يحلبها العراق يوميا نفطا مجنونا يستصفى في مليارات الدولارات التي لا تترك أثرا مهما في حياة المدينة البحرية الوحيدة في البلاد كما يقول أهلها وساستها الذين رغم انتماء معظمهم أو البارزين منهم إلى ائتلاف رئيس الوزراء إلا أنهم مثل غيرهم من مسؤولي بقية المحافظات يشكون الإهمال
وقلة الصلاحيات ويهددون بالأقاليم ليشوشوا بذلك رغبة المراقبين في تصنيف المطالبين بالأقاليم وفق صفوف مختزلة.الحكومة التي تحتوي في داخلها على الحكومة والمعارضة في نفس الوقت ذهبت بشقيها إلى البصرة لتقدم فاصلا خدميا هو أشبه بفاصل إعلاني قصير يخترق مسلسل الأزمة وليقال إن الحكومة مازالت حكومة وليست حلبة ملاكمة بلا حكم يحافظ على سلامة اللاعبين أو يحدد قوانين اللعبة/المنازلة، وهذا الفاصل الإعلاني الخدمي سرعان ما اجتذب المشاهدين فسارع المسؤولون في المحافظات الأخرى للمطالبة بعقد قمم حكومية في محافظاتهم لعل تلك القمم تنجح في انتشالها مما هي فيه من مشاكل ولم ينتبه هؤلاء المسؤولون إلى أن كل الجلسات الأسبوعية للحكومة التي تعقد في العاصمة بغداد لم تنجح في انتشال العاصمة مما هي فيه. القرارات التي اتخذت في جلسة البصرة الحكومية تبدو كبيرة أو خارج المتوقع لكن هل سيكون تنفيذ تلك القرارات بالسرعة والجدية غير المتوقعتين في العراق أيضا أم أن إيقاع الحسم المعتاد في كل الأمور هو السائد أيضا مما يعني إن تلك القرارات قد لا تنفذ إلا بعد مرور سنوات إن نفذت أصلا أو أن تتعرض تلك القرارات لتأويلات وتفسيرات تفرغها من مضمونها وتحولها إلى انجازات وانتصارات ورقية. قد تتكرر الجلسات الحكومية خارج العاصمة بعدما لقته من إعجاب جمهور المسؤولين في المحافظات الذين يرغبون بحضور جلسة تأريخية لمجلس الوزراء في محافظاتهم وربما ليتمرنوا على حلم قد يتحقق يوما ما فينتقل عضو الحكومة المحلية إلى عضوية الحكومة الاتحادية، كما إن الجلسات في المحافظات قد تلقى هوى في نفوس الوزراء ورئيسهم لأنها ستكون تمهيدا لحملة انتخابات مجالس المحافظات وقد تكون أيضا استباقا لأي محاولة استذكار للتظاهرات التي جرت في مثل هذا الوقت من العام الماضي والتي ردت عليها الحكومة بفاصل بدعة المئة يوم وتبين إنه فاصل إعلاني تجريبي حيث لا سلعة ولا فكرة ولا نتيجة ترتجى منه، إنه فاصل شبيه بذلك الذي تقدمه الفضائيات عن نفسها عندما لا تجد ما تبثه لإشغال الوقت لكن فاصل المئة يوم سرعان ما انتهى أثره فجاء فاصل الجلسات العلنية لمجلس الوزراء، حيث تكدست الأرقام والخطط والتبريرات دون نتيجة، وهنا يجب التساؤل عن كمية الفواصل الإعلانية اللازمة لاستمرار الحال. المشاكل القائمة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في المحافظات كثيرة وقد عقدت الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات لمعالجة الوضع ولعل أهمها كان مؤتمر الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم الذي عقد برعاية مجلس النواب واختتم أعماله في 31/3/2011 بعدما انعقد ليومين، وأصدر المؤتمر عددا من المقررات والتوصيات التي كان من المفترض إحالتها إلى مجلس النواب والحكومة الاتحادية والجهات ذات العلاقة لدراستها والعمل على تنفيذها بسرعة لكن شيئا من ذلك لم يحصل وتفاقم الأمر بعد ذلك حتى وصل إلى أزمة تشكيل الأقاليم الأخيرة والتي دفعت بدورها لعقد الكثير من المؤتمرات واللقاءات التي بذلت فيها الكثير من الوعود والتعهدات قبل أن يتبين إن كل ذلك ليس إلا فواصل إعلانية أخرى لا تعني ما تقول ولا هدف لها إلا تمرير الوقت لا أكثر.الحكومة هي الحكومة والوزير هو الوزير في أي مكان عقد الاجتماع وإذا كانت الحكومة تفشل في حل مشاكل البصرة من بغداد فالأمل ضعيف في أن تنجح في حلها من البصرة لأنها ببساطة لم تنجح في حل مشاكل بغداد رغم كل اجتماعاتها التي عقدت في بغداد، وإذا افترضنا أن هناك نية حقيقية في حل الأزمات سواء في بغداد أو البصرة أو في أي محافظة أخرى فمن الخطأ المراهنة على أن أدوات ووجوه وآليات الأزمة وإدارتها هي نفسها التي ستنجح في حلها، وهو ما يستدعي إحداث تغيير كبير في المنظومة نفسها التي تتولى حل الأزمات، وإلا فإن إدارة البلاد ستكون مجرد سيل لا نهاية له من الفواصل الإعلانية.
فاصل إعلاني فـي البصرة
نشر في: 20 فبراير, 2012: 08:25 م