ترجمة المدىيستذكر الصحفي العراقي نصير المهداوي صداقته مع زميله الصحفي انتوني شديد – الذي توفي يوم 16 شباط في سوريا نتيجة احدى نوبات الربو - وكيف قاما معا برواية قصة العراق. غالبا ما يكون الصحفيون مشاكسين ومتنافسين، لكن مع ذلك فإن انتوني قد نال ثناء واعجاب كل من عرفه بعد موته الحزين المفاجىء.
يوم امس ذكرتني احدى الزميلات بحديث قديم معها عام 2006 قلت فيه ان انتوني هو افضل مراسل عمل في العراق وكل الصحفيين متفقون على ذلك. وبالطبع فإنه حصل على مساعدة زميل عراقي عمل معه على القصص التي نال عنها جائزة بوليتزر عام 2004.احد اسباب الحب الذي يكنه له محبوه هو كرمه واحترامه للاخرين، كان يعلم انه ليس بمفرده هناك. في كتابه "و يقترب الليل" الذي اهداه الى نصير كتب يقول "ليس هناك صديق افضل ولا زميل اكثر ولاءً ولا رجل نال اعجابي اكثر منك. هذا الكتاب كان يجب ان يحمل اسمك على الغلاف! انا اعتبرك اخا لي وستبقى كذلك". يقول نصير "اتذكر اول مرة التقيت فيها بانتوني في شباط 2003 وبالمصور ميشيل روبنسون شافيز. كان انتوني يعمل معنا انا وراجيف وشافيز، لقد عرّفني به راجيف واخبرني بانه صحفي عظيم. كان يعمل في صحيفة اخرى لكن صحيفة "بوست" استأجرته لأنه الافضل. ثم جاءت التعليمات من بيل بينيت مدير التحرير المساعد للاخبار الخارجية في صحيفة بوست، بأن على كافة صحفيي البوست مغادرة العراق بسبب تجمّع القوات في الخليج وان الحرب ستجري. الا ان انتوني رفض ذلك وبقي في العراق وسألني ما اذا كنت ارغب بالبقاء معه. كنت مهتما بالعمل الصحفي واتطلع لما سيجري. اما راجيف وشافيز فقد غادرا وانتظرا في الكويت. كنت انا وانتوني لوحدنا، وكان سائقنا كريم سعدون حيث شكلنا فريق عمل. بدأت رحلتي مع انتوني بحثا عن المواطنين الذين يعبرون عن شعورهم عما سيحدث. كنت بغريزتي اشعر ان النظام سيسقط فقررت ان اساعده وادعمه. اخذته الى مدينة الكاظمية في بغداد، التي يشعر اهاليها بالكراهية تجاه صدام بسبب استهدافه لهم وقتله للعديد من عوائلهم خلال الانتفاضة التي اعقبت حرب الخليج 1991. عندما اخبرت انتوني بذلك شعر بالسرور لهذا الموضوع وبدأ يقترب مني اكثر ويعتمد علي. ومن جهتي بدأت افكر مثله واعرف انواع الحكايات التي يريدها والمواطنين الذين يرغب بلقائهم. كان يحب التحدث مع المواطنين في الشارع، الذين تضرروا فعلا من صدام ومن الحرب. صارت ثقته بي اكبر. اتذكر ان وزارة الثقافة امرتنا حينها بالذهاب الى مناطق محددة الا اننا رفضنا ذلك، وذهبنا الى مناطق ممنوعة لا يجرؤ احد على الذهاب اليها ما عدانا انا وانتوني. في المطعم كنا نتحدث عن المناطق التالية التي سنذهب اليها والتي لا يريدنا صدام ان نراها. كنا ننطلق في رحلات يومية مع سائقنا الشجاع كريم، ونذهب الى مناطق متفرقة من البلاد، ونلتقي بالناس ونناقش مختلف القضايا ونكوّن صداقات. التقينا عمالا في المعامل، ومزارعين في الحقول، وموظفين حكوميين سأموا قيود النظام، وطلبة جامعات يطمحون لفرصة في التحرر والتعبير عن معاناتهم واحلامهم، ورجال دين منعزلين في مساجدهم الصغيرة، ومواطنين مسحوقين. كتبنا حكايات عن نساء فقدن ازواجهن وابناءهن خلال الحروب الكثيرة التي اشعلها النظام. من جانبها ذكرت صحيفة الغارديان تحت عنوان " انتوني شديد، المدوّن الفريد للقصص الانسانية" ان انتوني قد نال الاعجاب بانسانيته واستبصاره خلال عمله في المناطق التي تكثر فيها المتاعب. في بداية عام 2009، بعد خمس سنوات من نيله جائزة بوليتزر عن كتاباته عن العراق، عاد انتوني الى بغداد. كانت حربا مختلفة جدا حينها، حيث كان الشعب الاميركي لا يعرف الا معلومات مشتتة عنها. وكانت رواية القصة بشكل جيد تعتبر تحديا يواجه اغلب المراسلين الموجودين في العراق. بالنسبة لانتوني، كانت تلك فرصة لاعادة تقدير ما تعلمه في المرة السابقة واستطلاع المواضيع التي بدأت بالظهور انذاك. بعد عام واحد، وبعد ان احيا العراق من خلال اصوات ابناء شعبه و نشرها واظهارها باسلوب مبدع، حصد انتوني جائزة بوليتزر الثانية. حيث حاز ريبورتاجه الرائع على اعجاب زملائه الذين شعروا بانه الافضل في مجال عمله. لم يكن عمله سهلا، فكل قصة من القصص العشرة التي كتبها كانت تتطلب فهما عميقا واستبصارا ومعرفة نادرا ما يمتلكها احد غيره. لم يكن يخضع لقائمة الانباء، كانت لغته العربية ومعرفته بالمجتمع العراقي تعني انه يتمكن من الذهاب الى اماكن لا يستطيع الكثير من نظرائه الذهاب اليها. في الامسيات كان يختلط بالمواطنين المحليين، السواق والمنظفين وغيرهم، بالاضافة الى استماعه لضباط الجيش الاميركي والمسؤولين العراقيين والسفراء، وكانت لديه مهارة في التقاط ما في داخل المواطنين العراقيين الاعتياديين الذين كسب ثقتهم بسحره. بعد ان نفدت القصص في العراق، انتقل انتوني مع زوجته الى بيروت حيث ولد ابنهما مالك الذي حملت به والدته في العراق بينما كانت تكتب مع زوجها لصحيفة نيويورك تايمز قال متحدثا عن الوقت الذي قضاه في العراق " جئت الى هنا لا تفهم هذا البلد بكل ما فيه من غنى وجمال وجنون وخسائر،
العمل مع أنتوني شديد في العراق
نشر في: 22 فبراير, 2012: 09:38 م