اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > مظاهر (اللنكة).. صور حيّة للفقر العراقي المزمن

مظاهر (اللنكة).. صور حيّة للفقر العراقي المزمن

نشر في: 25 فبراير, 2012: 07:42 م

 بغداد/ عبد الكريم العبيدي في العراق جوع متوارث، يبث صورا متعددة بالأسود والأبيض ليلا ونهارا. تظهر بجلاء في طور الطفولة أولا كأجساد نحيلة وعليلة (وبالية)، وكشعور مشعثة وجافة، وكثياب رثة وممزقة (لنكة)، وكوجوه مصعوقة وأقدام حافية وألعاب بدائية قديمة ثيمتها الطين والحصى والرمل والعظام وأغطية القناني والخرق البالية
 و.... كدمى مستعملة، أو قل نفايات كنستها الدول الغنية من ربوعها الخضراء لتصلنا، ولله الحمد (كبالة/ لنكة) وتتمظهر في نهارات وليالي الحياة العراقية.في العراق جوع (سبور)، يمضي قدما باضطراد، وأبطاله الكبار، رجالا ونساء، شيبا وشبابا، تراه بإمعان في دشاديشهم وسترهم ومعاطفهم وسراويلهم وقبعاتهم وقماصلهم وجواربهم وأحذيتهم ونعالاتهم، وتراه في أعراض أمراضهم ومعاناتهم وكدحهم وصبرهم وتذمرهم.في العراق جوع حقا حقا، يتصدر حوارات الناس في الشوارع والمقاهي والمدارس والبيوت وداخل سيارات الأجرة وفي الصحف والمجلات ونشرات الأخبار والتقارير وفي الأمثال الشعبية و"السوالف العتيكة" والنكات والطرائف القديمة والمستحدثة، جوع مزمن كأساطير وخرافات موغلة في القدم ، يتناقلها الأجداد إلى الآباء والأمهات، ويرويها الآباء إلى الأبناء، ويدسها الأبناء في قلوب الأحفاد، "وعلى هالرنه اطحينك ناعم"!مهرجان ما زال وما يزالما زال بعض العراقيين يشربون ماء الأنهر ويستحمون به ويحملونه بالصفائح الصدئة والبراميل (المزنجرة) ويستخدمونه لأغراض الطهي وغسل أواني المطبخ وغسل ثيابهم ما ظهر منها وما بطن، وما يزال الكثير من العراقيين يتناولون أقراص الخبز مع الشاي (الحصة) الرديء كوجبة فطور، ومع الخضراوات كوجبة غداء، ومع الطماطم كوجبة عشاء – إن صح لهم هذا!ما زال الكثير من العراقيين يشبعون (أعينهم) بالنظر المقرون بالحسرة إلى الفواكه المستوردة على اختلاف أنواعها وأشكالها، وما يزال العديد منهم يحدقون في (لشش اللحوم المعلكه من اكراعهه) في محال القصابة ويحلمون بالتشريب والقوزي والكباب والتكة والمعلاك والشيخ محشي، ثم يعودون كما هو عهدهم دوما إلى (الكرشه والمصارين والفشة والعظام المعزولة على عتبات محال القصابين القساة).ما زال وما زال الكثير من العراقيين يشمون رائحة السمك المسقوف أو اللابط في مياه عربات بيع الأسماك ثم يعرجون إلى شراء أسماك (الزوري والخشني) ليمنوا أنفسهم برائحة (الزفرة) وليرددوا مثل غيرهم المثل العراقي القديم (مثل السمكة ماكولة مذمومة)!، بل ما يزال، ما يزال دون شك العديد منهم يطالع الدجاج المشوي والمقلي والمعروض في الأسواق بكل أصناف ماركاته القديمة والجديدة ثم يكتفي بشراء البيض انطلاقا من الأهزوجة العراقية الدارجة (مسمارج منج يا لوحة)!.ما زال العراقيون ينظرون بنصف عين إلى الملابس المستوردة المعروضة في واجهات المحال الزجاجية، والى الأحذية والشحاطات والملابس الداخلية على اختلاف أنواعها ثم يتسللون سرا أو علنا الى أسواق (اللنكة/ الرحمة)!، ليستروا عوراتهم ويدفئوا أجسادهم بملابس البالة الحمراء والصفراء والخضراء والخاكي، ليظهروا وكأنهم في حفلة تنكرية مجانية شعبية، وما يزال العديد منهم مثابرا ليلا ونهارا على تناول لفات (الفلافل دبل) كغذاء يومي لا سبيل لفراقه، ولا فرج غيره باعتباره المادة الغذائية الوحيدة المتيسرة والغنية بالفيتامينات التي يسمعون عن (أيها وبيها وسيها وديها) ويسخرون منها في نكاتهم اللاذعة.ما زال العراقيون، ويا للأسف ينظرون إلى صورة الدولار عبر زجاج واجهات محال الصيرفة ويدندنون بهمس: (مخطرتش على بالك يوم تسأل عني)!؟، وما يزال جميعهم، ويا للأسف يتعاملون بالدنانير والأرباع (المشككة) بعدما (زهكوا) من (فلوس صدام المزورة منها أو الطبع ذات (الخط ونخلة وفسفورة).ما زال العديد من العراقيين يسكنون في بيوت الصفيح والطين والصرائف والبلوك المسفط والمباني الحكومية المنهوبة وتحت الجسور وفي مناطق (الشيشان)، وما يزال الكثير منهم تفتك به أنواع الأمراض المعروفة والغريبة، والمزمنة والطارئة، والمكتشفة أو التي ما زالت في أنابيب المختبرات الطبية.ما زال العراقي يقف أمام الصحف العراقية المعروضة على الأرصفة كل صباح باحثا عن خبر مزمن وعراقي بامتياز، (زيادة رواتب المتقاعدين، زيادة رواتب المعلمين)، ولكنه لم يعثر يوما على فرص عمل للعاطلين، ولم يحصل يوما إلا على مزيد من البؤس والقهر والحرمان وال....... جوع!.ما يزال، نعم ما يزال وسيبقى العراقي يلعن ذلك اليوم الذي ولد فيه ومعه مهرجان الـ (ما زال وما يزال)، صفة سترافقه وهو ميت لثلاثين عاما قبل أن يموت ميتة أخرى ليبرهن بيقين على جملة شعرية شعبية عراقية شهيرة: (عمر وتعدى التلاثين لا يفلان).جوع.. جوعفي العراق مجاميع من المتسولين تتوجه "مثلنا" كل صباح إلى أماكن عملها التي باتت مقار ثابتة لهم منذ أعوام. فمنهم من "احتل" أبواب الجوامع والحسينيات والكنائس والدوائر الحكومية. ومنهم من يستجدي أصحاب السيارات الفارهة وسائقي سيارات الأجرة والركاب. ومنهم من وجد ضالته في الأسواق والشوارع والأرصفة.فرق الشحاذين في بغداد باتت كثيرة وتعمل بآمرة "شقاوات" يوفرون لهم السكن والحماية مقابل الاستحواذ على أ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram