حازم مبيضين موقفان بارزان احتلا الاهتمام خلال الأسبوع الماضي فيما يتعلق بسوريا , وقد صدر أولهما بعد صمت استمر حوالي السنة , عن القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية , الذي حيا الشعب السوري البطل , الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح , وذلك من على منبر الأزهر في خطاب جماهيري , ردد فيه المشاركون هتافات طالبت الرئيس الأسد بالرحيل , ووصفته بالجزار ,
وهاجمت إيران وحزب الله اللبناني لدعمهما نظامه, وقبل هذا الخطاب شهدت مدينة غزة ( وهي معقل حركة حماس ), تظاهرة ضخمة نددت بالرئيس السوري , ورددت أهازيج السوري القشاش الذي قاد مظاهرات حماة, مردداً يالله ارحل يا بشار , وعثر على جثته وقد اقتلعت حنجرته في مياه نهر العاصي , وغني عن القول إنه ما كان لهذه المظاهرة أن تنطلق دون موافقة حماس ومباركتها.الموقف الثاني صدر عن الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط , وكان بمثابة واحد من الانقلابات المعتادة عنده , فقد شن هجوماً شديداً ضد الأسد ونظامه, واصفاً الاستفتاء على الدستور الجديد بالبدعة, وقال إنه حتى أكثر الأنظمة قسوةً, من ستالين إلى تشاوشيسكو, مروراً بصدام حسين, وصولاً إلى بعض الحكام العرب الذين رحلوا غير مأسوف عليهم، كانوا يملكون شيئاً من الحياء, ولا ينظمون استفتاءات شعبيّة فوق بحور من الدماء , وانتقد في السياق الدول الداعمة للرئيس السوري, داعياً إلى نفيه خارج البلاد , منتقداً أحاديثه عن مؤامرة لتقسيم سوريا, وأنه سيظل حاكماً حتى لو نجحت تلك المؤامرة, مشدداً على أن إنقاذ سوريا ووحدتها أهم وأبقى من إنقاذ النظام، ودعا للفرز في طائفة الموحدين الدروز في لبنان وسوريا, بين من يؤيدون النظام كمرتزقة, وبين من يؤيدون الشعب السوري, في نضاله المستمر نحو سوريا ديمقراطيّة متنوعة.لم تعلن حماس موقفها من النظام السوري إلا بعد رحيل قيادتها من دمشق, والعثور على موطئ قدم خارج فلسطين, وموقفها الجديد مفهوم, وهو يتطابق مع موقف الإخوان المسلمين الذين يقودون ( الثورة ) ضد الأسد ونظامه, وكانت قبل ذلك التزمت الصمت, وإن قيل إنها حاولت تقديم النصح للقيادة السورية فجوبهت بالرفض, ومعروف أن حركة حماس هي الفرع الفلسطيني من تنظيم الإخوان. أما تحول جنبلاط إلى النقيض, فإن له دلالات لابد من التوقف عندها, فالرجل كان قد انقلب على حلفائه اللبنانيين المناوئين للأسد قبل فترة قصيرة, ما أدى إلى سقوط حكومة الحريري, وتشكيل حكومة جديدة على مقاس حزب الله الموالي لدمشق حتى النفس الأخير, وهو ناور في الفترة الأخيرة كي لا يعلن موقفاً صريحاً من النظام الذي اتهمه يوماً بقتل أبيه , لكنه اليوم ( يبق البحصة ) حسب التعبير الشعبي اللبناني, ويقول في النظام البعثي أكثر من ما قاله مالك في الخمر.يقال إن جنبلاط يمتلك قرون استشعار سياسية شديدة الحساسية, وهو يشعر أنه زعيم الطائفة الدرزية أينما تواجدت, وكان انقلابه ضد حلفائه اللبنانيين, ناجما عن الخوف على مصير طائفته, بعد الصعود الهائل لنفوذ وقوة حزب الله الموالي لدمشق, أما انقلابه اليوم فيؤشر إلى فهم جديد لطبيعة القوى في المنطقة, فهو يشعر أن حزب الله تحول إلى رافعة للنظام السوري, بعد أن كانت دمشق راعية لذلك الحزب الأصولي , على خلفية تحالفها مع إيران, التي يعلن الحزب بكل صراحة, أن سياساته ترسم فيها, وما عليه سوى تنفيذ توجيهات مرشد ثورتها, فهل يعني ذلك أن جنبلاط بات متيقناً أن نظام الأسد إلى زوال, وأن ذلك يعني بالضرورة تقليم الأظفار الطويلة لحزب الله, وهو بذلك بات مطمئناً على مصالح الدروز في الجبل, ويمهد لتفاهم وإن كان غير معلن بين دروز سوريا وحكامها القادمين. يلعب جنبلاط هذه المرة لعبة أكبر بكثير من كل ما سبقها, ويتحول تحولاً أشد تأثيراً من كل تحولاته السابقة, لكنه يشدد أنه يعرف مواقع خطواته, أما حماس فإنها اليوم تنسجم مع نفسها, وإن كان بعض قيادتها من الصف الثاني ما يزال مقيماً بالقرب من الجامع الأموي, مستذكرين دهاء معاوية, وقبر صلاح الدين الأيوبي الذي قارع الصليبيين حتى طردهم من أرض فلسطين.
في الحدث :تحولات حماس وجنبلاط

نشر في: 25 فبراير, 2012: 08:17 م