 أحمد عبد الحسينالندوة التي ضيّفتْ فيها "المدى" أمس الدكتور أحمد الجلبي لمناقشة موازنة هذه السنة التي صودق عليها مؤخراً، أوصلتْني إلى نتيجة مفادها أن إقرار الموازنة بهذا الشكل العجول لم يكنْ يراد منه سوى مكسب إعلاميّ ليس إلا. لم يقل الجلبي ذلك طبعاً، لكنّ حديثه عن تفاصيل هذه الموازنة كشف لي ـ أنا غير ذي الاختصاص ـ مكامن الهشاشة فيها.
من يستمع لحديث الجلبي يدرك أن كثيراً مما أقرّ في الموازنة غير واقعيّ ولا يمكن تطبيقه، كما أن هناك بعض الفقرات غير ناظرة إلى الدستور، وبالنتيجة فإن أكبر موازنة في تأريخ العراق قد تذهب كسابقاتها أدراج الرياح دون أن يلمس المواطن تغييراً ملحوظاً في عيشه أو مسكنه أو كرامته!أسهب الدكتور الجلبي في الحديث عن عدم التصويت على المادة "36"، معدّداً مثالب هذه الفقرة ومؤيداً عدم التصويت عليها، لكنّ هذا الرأي ـ على وجاهته ـ لا يشاركه فيه كثير من النوّاب، لا بل أن بعضهم كالسيّد النائب عزيز شريف المياحي عدّ عدم التصويت على هذه الفقرة ضربة قاضية للفقراء في العراق.اللافت في الأمر أن النوّاب الذين أدمنوا الظهور على شاشات الفضائيات ـ وفحوى الكلام لم يزل للسيّد المياحي ـ أولئك الذين يتباكون على حال ذوي الدخل المحدود، رافعين شعارات نصرة المساكين هم أنفسهم الذين رفضوا التصويت على الفقرة 36.شيء أشبه ما يكون بالنفاق السياسيّ يحكم هؤلاء، قريبٌ منه ما جرى أثناء التصويت على شراء سيارات مصفّحة لأعضاء مجلس النوّاب، إذ أن بعضاً ممن صوّت على هذا القرار البطران، خرج على الملأ وأعلن استغرابه واندهاشه من التصويت عليه.عمل الإعلام هنا ضروريّ وحاسم، ويبدو أن النوّاب اطمأنوا تماماً بعد أن روّضوا كائناتهم الإعلامية "خصوصاً الرسمية منها" فأصبحوا يلعبون لعبتهم براحة غير مسبوقة، لهم الحقّ في ذلك فالإعلام الرسميّ صامت تماماً عن السيارات المصفحة التي أتى إقرارها في خميس السيارات المفخخة التي جعلت بغداد مدينة منكوبة.لا يمكن الجمع بين رأي هذا الإعلام ورأي صاحب اختصاص كالدكتور الجلبي الذي حذّر من البون الشاسع بين النفقات التشغيلية والنفقات الاستثمارية، أو رأي "رئيسة لجنة تطوير الأداء البرلمانيّ" السيّدة النائبة حنان الفتلاوي التي قالت صراحة :" إن إقرار موازنة العام الحالي مجرد دعاية انتخابية مبكّرة ستعود بنتائج وخيمة على المواطن الفقير بل على الدولة العراقية بعامة".كم من موازنة "انفجارية" مرت على العراق في سنواته التسع الأخيرة، ولم نحصد منها سوى انفجارات السيارات المفخخة التي لا يسمع بها راكبو السيارات المصفّحة؟هذه موازنة انفجارية هي الأكبر في تأريخ العراق. الله يستر!