بغداد/ يوسف المحمداوي شارع كان يوما ما نافذة المرأة العراقية على التطورات التي تعيشها الموضة العالمية، فيه أول مفردات جهاز العرسان وآخرها، وفيه المصوغات الذهبية والفضية، الملابس، أدوات الزينة، العطور، والمفروشات، وفيه حتى المحكمة لعقد القران. وكم من زغاريد أطلقت هناك تمايلت من عذوبتها أمواج لصيقته دجلة العذبة إيذانا بالإبحار صوب حياة جديدة. وكم من مرة رددت محال الشارع أغنية لميعة توفيق "نيشان الخطوبة اليوم جابولي .. ومحبس من ذهب وكلادة قدمولي".
وكم من حكايات سمعتها ولم تبح بها جدران مقاهي النساء في الشارع، التي كانت تقدّم للمتعبات من التبضع، القهوة والمرطبات والمشروبات الغازية ومقبلات أخرى.شارع كان مترفا بجميع معطياته، فجميلات العوائل البغدادية يملأنه صباح مساء، مصوغات الذهب والفضة والاحجار الكريمة تشع مضيئة بين محاله لتزين جيده الممتد من جسر الأحرار جنوبا حتى الشهداء شمالا.. العطور بأرقى الماركات العالمية تغري النفوس قبل الأنوف بأريجها، العشاق يملأون الشارع ويغازلون الفتيات بكلمات بريئة وصادقة كصدق وبراءة ذلك الزمن. هذا محل صائغ الملوك والسلاطين زهرون عمارة شقيق الصائغ الذي لا يقل شهرة عنه عباس عمارة والد الشاعرة لميعة، زهرون الذي صاغ ونقش الكثير من التحف النادرة لملوك ورؤساء العراق، ذاع صيته ليصوغ للسلطان عبد الحميد، أركيلة من الفضة، كما يقول حفيده حسام لـ(المدى)، ويضيف "وبعد الاحتلال البريطاني يكلف بعمل تحف نادرة للملك إدوارد، وكذلك لونستون تشرشل، والجنرال مود، وفنانين عرب واجانب من امثال انطوني كوين ونور الشريف وغيرهم". أعماله تتباهى بوجودها المتاحف الأجنبية كاللوفر والمتحف البريطاني وغيرها، فكم من العراقيين يعرفون هذا المندائي الكبير والرائع الذي رفض الإغراءات في البقاء في فرنسا بعد أن شارك في مهرجان باريس للمصوغات الذهبية في ثلاثينيات القرن الماضي.في الشارع أقدم حمامات بغداد، حمام حيدر الذي بني أصلا ليكون خاصا بالخلفاء وعوائلهم، ويذكر صاحب محل مجاور للحمام "كانت صفاري الماء تشبه البانيو الغربي وهي مصنوعة من الفضة الخالصة والأواني كذلك، وترك بعد ذلك لعامة الناس كحمام رجالي نسائي، لكنه في أربعينيات القرن الماضي اصبح موقعا لاورزدي باك، ثم تحول الى مخازن ومحال للبضائع التجارية، ولهذا الحمام حكاية مع ام كلثوم". اسمه المسجل رسميا شارع المستنصر لكن تسمية النهر أطلقت عليه لمروره المحاذي لنهر دجلة، وله تسميات عديدة مثل شارع العرائس، البنات، العشاق، الذهب، الموضة، وتعددت الأسماء والحسنُ واحد، -بالامس وليس اليوم يا حكومةـ، اليوم هجرته النساء وأصبح مرآبا لعربات الحمولة الخشبية وتحت شناشيل بناياته المهملة تبني القاذورات مستعمراتها، والجهات المسؤولة مشغولة بماراثون التسابق والاقتتال على كسب المنافع غير آبهين بمعاناة الوطن والمواطن. التفاصيل ص13
النهر.. شارع الذهب الذي ذهب مع الريح!
نشر في: 26 فبراير, 2012: 11:40 م