ساطع راجي رغم كثرة التوقعات المتشائمة بمسار وخواتيم عقد القمة العربية في بغداد، إلا إن تلك التوقعات لم تصل إلى ما يطرح ويدفع اليوم ثمنا لعقد القمة الميمونة، فقد كانت التوقعات تركز على الثمن المالي وخاصة المليارات التي أنفقت على مدار أكثر من عامين لإنجاز الاستعدادات وهي أموال على كثرتها لم تنجح في إنقاذ شوارع وسط العاصمة من بؤسها ولم تنجح في تغليف بشاعة البنايات المطلة على تلك الشوارع بل أنفقت الأموال بطريقة دفعت حتى أشد مؤيدي الحكومة للدعوة إلى مراجعة إنفاق تلك الأموال.
القمة قفز بجنون إلى حد إجماع القوى السياسية على أن الهجمات التي ضربت العاصمة بغداد وعدة محافظات أخرى يوم الخميس 23/2 كانت تهدف للتشويش على الاستعدادات الجارية لعقد القمة العربية وتخريب صورة البلاد الآمنة (!!!) في عيون الملوك والرؤساء العرب لثنيهم عن القدوم إلى دار السلام فسقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى (فدوة لعيون القمة)، لم نحسب أن القمة لها هذه القيمة عند الحكومة وأعدائها على حد سواء، فقد استعد (الأعداء) لمواجهة هذه القمة بهجمة كبيرة أنفقوا فيها الكثير من الذخيرة وتجشموا عناء التخطيط للقيام بهذه الهجمات المتزامنة بينما صمتت الحكومة عن الكارثة الأمنية حتى لا تكبر المشكلة ولا تزيد من اهتزاز الصورة ولا تظهر الحكومة منزعجة ،ولذلك تقرر الخميس إطلاق الدعوات للملوك والرؤساء العرب عبر تكليف عدد من الوزراء بنقل الدعوات إلى العواصم العربية للحصول على المواقف قبل أي هجمات إرهابية جديدة.ثمن القمة حقق قفزة أخرى عبر الاتفاق مع الدول العربية على إطلاق سراح المعتقلين والمحكومين بقضايا إرهابية مقابل مشاركة دولهم في القمة العربية وهو اتفاق لم تنفه الحكومة حتى الآن وقد تنفيه في أي لحظة ،لكن الاتفاق إذا عقد سيكون مقبولا في حالة أن تتعهد تلك الدول بإيقاف كل أعمال التحريض ضد العراق وكل عمليات التحشيد للإرهابيين وتجهيزهم وتمويلهم وتسهيل تنقلاتهم وتسللهم إلى العراق ومن ثم المطالبة بعدم تنفيذ الأحكام ضدهم عند اعتقالهم حتى لو كانوا قد قدموا إلى العراق من أقصى الشمال الإفريقي العربي.القفزة الثالثة التي حققها ثمن القمة يتمثل في المناورات الواسعة التي قام بها العراق في الملف السوري والتحول من الموقف إلى ما يقارب نقيضه وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه في سياق المناورات المألوفة في عالم السياسة لكن في الحالة العراقية ليس كذلك لأنه دخل تحت عنوان التأليب الطائفي في العراق وفي المنطقة، وإذا كانت الحكومات تنسى المواقف السابقة فإن الطائفيين لا يغيرون قناعاتهم ومواقفهم بتلك السهولة فهم سيصرون على النظر إلى العراق كخصم بل وسيذهبون إلى مزيد من التأليب فيما لو تغير الموقف العراقي من الملف السوري في وقت لاحق وسيتبرع كثيرون لنسج سيناريوهات التآمر الطائفي.ثمن القمة لن يكون واضحا بالكمال والتمام إلا بعد انتهاء أعمالها، وهو ثمن لن تحسمه فقط خطابات القادة وقراراتهم لكن أيضا الانطباعات العامة عن الوضع في العراق، وهي انطباعات سيشارك في صنعها آلاف الأشخاص من القادة إلى اصغر الموظفين المرافقين لهم وكذلك الحال من الجانب العراقي وسيكون الإعلاميون أهم المشاركين في صنع هذه الانطباعات لكن الحكومة العراقية فاجأت المتابعين عندما تحدثت عن تفاجئها بما نقلته الجامعة من توقعات الحضور الإعلامي حيث تحدث الناطق باسم الحكومة في فضائية العراقية عن ألف إعلامي وهو رقم متوقع لقلة حضور الإعلام العربي في بغداد خلال الأيام العادية كما أن مشاركة عشرين دولة يستدعي حضور الإعلام الرسمي والمقرب من الحكومات في تلك الدول فضلا عن الإعلام المستقل الذي سيسجل حضورا كثيفا لمتابعة الموضوع السوري والربيع العربي بعامة في أول قمة تعقد بعد الإطاحة بعدة رؤساء عرب، لذلك فإن الرقم طبيعي جدا.الإثمان التي دفعت لا شأن لها بها فما ضاع ضاع ،لكن الأهم أن لا يستمر هذا الاستنزاف للدم والمال والمصالح من أجل مجموعة من الصور التذكارية ليقال "عقدنا قمة عربية في بغداد" هذا إن عقدت القمة.
ثمن القمّة
نشر في: 27 فبراير, 2012: 07:24 م