TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > بين ستيوارت دافيس وضياء العزاوي

بين ستيوارت دافيس وضياء العزاوي

نشر في: 2 مارس, 2012: 06:59 م

 شاكر لعيبيالقسم الثالثمن المفيد الآن أن نرى هذا التنازع والريادة على ظهور مايسمى بـ "الحروفية" في العالم العربي، ودلالته الأكيدة في سياقنا الحالي. وفي ظني فإن هذا التنازع الرياديّ لم يظهر إلا بعد ظهور الحركات الفنية العربية التي ألحت على أنها تودّ عامدة ومن منطلقات جمالية موروثة العودة الى الحرف العربي بصفته العنصر الأساسي للوحة المسندية الحديثة.
اسمان عراقيان يعتقدان أنهما رائدا "الحرفية" العربية: الرسامة مديحة عمر التي تخرجت في كلية ماريا غري اللندنية عام 1933، ودرست النقد الفنيّ في جامعة جورج واشنطن في أمريكا عام 1943. ثم حصلت على شهادة البكالوريوس في الرسم والنحت من كلية الكوركورن للفنون الجميلة في واشنطن عام 1950. أقامت عام 1949 أول معرض شخصي لها في متحف الكوركورن، ويقال عادة بأن لوحتها فيها (صور تجريدية للحروف العربية) توصلت إلى معالجات جديدة في تجريد الحروف العربية. وكانت قد نشرت في واشنطن بيانا عام 1949 تحت عنوان (الخط العربي عنصر استلهام في الفن) درستْ فيه امكانية الإفادة من الخواص المطاوعة للحروف العربية وامكانية استخدام القيم التجريدية في بناء اللوحة الفنية الحديثة. عرضت في قاعة الرواق ببغداد عام 1981 عدداً من أعمال سُمِّيتْ حروفية مؤرخة بعام 1946.  بينما كان الفنان جميل حمودي (1924 - 2003) يؤكد أنه الرائد الاول في استلهام الحرف العربي، وهو ما يلمِّح إليه الفنان شاكر حسن ال سعيد في كتاباته التاريخية قائلاً: "كان جميل حمودي منذ عام 1947 قد اتخذ من  الكلمة المكتوبة ضمن عالم اللوحة المرسومة عنصراً جديداً في البناء الفني". أقام حمودي في باريس عام 1947 وهناك بدا مهتما بالحرف العربي في لوحاته الزيتية، متأثراً في الغالب، وفق تصوراتنا، بفكرة اللامرئي invisible التي اهتم بها بول كليه منذ نهاية الحرب العالمية ومنها توجَّهَ، بول كليه، إلى استخدام أشكالٍ تُقلِّد الحروف العربية كما نعلم في العديد من اللوحات التي أنجزها بعد عودته من تونس.كلاهما مديحة عمر وجميل حمودي يستخدمان الحروف العربية وفق نهج بلاستيكي غير واضح المنطلقات. لا نجد أنهما يمتلكان مفهوماً جمالياً أو نظرياً أو فلسفياً محدداً، وليس هناك من مسار تشكيلي ممنهج قادهما تلقائياً إلى إدماج الحرف بصفته علامة بصرية تتجوهر في التجريد مثلما قاد بحثا كليه ودافيس المختلفين إلى ما قادهما إليه.وعلى كل حال تشير تواريخ منجزات دافيس وكليه إلى أنها تسبق الحروفيين العرب بأمد طويل، ولعل بعض الفنانين التشكيليين العرب الأوائل قد عرف منجزيهما، فقام بتقليدهما دون أن يعلن ذلك، زاعماً الريادة والكشف. لم يعلن رواد الفن التشكيلي العربي مصادرهم بتاتاً أو بالوضوح الكافي. لعل مديحة عمر كانت، بغض النظر عن قيمة منجزها، على اطلاع على تجارب مارك توبي وستيوارت دافيس بحكم دراستها في واشنطن.لكن تجربة العزاوي تبدو قريبة من أعمال دافيس المتأخرة، بشكل ينمّ إما عن مصادفة مذهلة نادرة في تاريخ الفن، أو عن تأثُّر لم يُصرَّح به البتة. وكلاهما فرضيتان معقولتان. لا نحبذ تسمية التأثر الأخير بالتثاقف التشكيلي: الفرضية التي نشتغل عليها منذ بعض الوقت في الحقل الجمالي والتشكيلي، لأن تثاقفاً ما يقترح وعياً بمراجعه واعترافاً بمصادره وتقاطعاته معها.الأمثلة الثلاثة التالية تضع أعمالاً لدافيس مقابل أعمالٍ لضياء العزاوي لكي ترى المدى الذي تصل إليه صدفة التقاطعات بين فنانين إذا صحّت، أو مقدار التأثر غير المعترَف به أذا صحّ هو الآخر. في عمله "باد رقم 4" يستخدم دافيس منذ نهاية الأربعينيات، 1947، العلامات والحروف والإشارات والأرقام في تغطية السطح التصويري، مع خلفيات هندسية لها. فكرة اللوحة تقع في رغبة الفنان بنقل غير المرئي، وهو المُرْتجَل في موسيقى الجاز، إلى مرئي. لا يمكن فهم هذه الحروفية إلا بفهم علاقة دافيس مع موسيقى الجاز. ففي مراهقته كان ديفيس يتردد على الحانات في نيوارك بولاية نيوجيرسي ومانهاتن لسماع موسيقى الجاز، وأصبح من المعجبين الشغوفين بها طيلة حياته. قال ذات مرة إن موسيقى الجاز كانت من الأمور التي دفعته إلى فن الرسم. يشكل الجاز عنصراً أكيداً في تطور أسلوبه، وإيصاله إلى هذه "الحروفية" المثيرة التي تبدو أشكالها الطافية بدائل بصرية لإيقاعات الجاز الخاصة.لكن هذه اللوحة تخرج من البحث الطويل الذي قاد دافيس، بادئ ذي بدء، إلى لوحة سابقة مذكورة أعلاه هي "Report from Rockport" التي تعتبر من بين أهم أعماله في سنوات الأربعينيات، ومن الأعمال المركزية في تطوره، فللمرة الأولى يستخدم الفنان فيها نظريته بصدد (لون - فضاء). في هذه النظرية يمكن أن يُستخدم اللون لتعيين العلاقات الفضائية بفضل موضعته جوار لون آخر. يقول دافيس: "من المستحيل وضع لونين في نفس الوقت حتى صدفوياً من دون وضع عدد آخر من الوقائع. كلا اللونين يمتلكان مقاساً [حجماً] نسبياً، أما لأن لهما المقاس نفسه أو ليس لهما. وأنهما إما أن يكونا بالمظهر نفسه أو لأنهما ليسا من نفس المظهر". تقول الناقدة الأمريكية ليزا مينتس ماسنجر بصدد لوحة (Report from Rockport): "بعض الألوان يتقدّم، والبعض الآخر يتراجع مما يشير إلى وهم ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram