هاشم العقابي ظل صاحبي يضرب امثلة تلو اخرى عما حل بالبلاد من خراب أخلاقي في أيام صدام، ثم جر حسرة عميقة وسكت. لم يغن هذه المرة بل تركني وأخذ يتصفح هاتفه النقال. لاح على وجهه حزن لم اعهده به من قبل، الى ان انتبه فجأة وقال: اي شلونك؟ اجبته كي اخفف عنه: تنشدني عن اللون مامش بعد لون واحد يخيط جروح ميه اليفتكون
قلت له: ان صدام راح والاتحاد الوطني تفلش، و "العفاطات" انتهى دورهن بانتهاء الجيش الشعبي، فعلامك لا تعود؟ رد بسرعة: نعم ولّوا لكن الخراب بقي او صار أتعس. ثم فتح الرجل قلبه وصار يروي لي حكايات تجمعها ثيمة "قلة الادب" الذي لبس اثوابا جديدا بعد السقوط. صار يحدثني عن لهجة جديدة خالية مفزعة تتدوالها اجيال اليوم. مفردات يصعب علي فهم بعضها وان فهمتها احسها عديمة الحياء، فاتجنب ذكرها. مفردات بعضها يدور حتى على السنة الأطفال. اما حينما وصل الى شباب اليوم، ومفردات "تصجيمهم" للبنات، فقد شعرت، في لحظتها، اني بحاجة لمعدة حديدية تهضم ما اسمع دون ان اتقيأ. عادت بي الذاكرة الى ذلك الرجل الذي تحدث عنه الروائي فؤاد التكرلي بواحدة من رواياته، لا اتذكر اسمها. ارتسمت صورته امامي وهو بسيارته ينتظر امرأة كي "يصجمها". وعندما مرت بقربه استجمع كل ما به من شجاعة فقال لها: هاي شنو مخلية ريحة؟ ذكرت صاحبي بما خطر ببالي فقال لي: لا تتصور ان بقي لمثل هذا النوع من الناس بقية. قالها بطريقة افهمني بها ان نسل هذا النوع من العراقيين قد انقطع. وهنا استنتجت سبب تحريمه العودة للبلد، فقررت ان لا أساله عن ذلك ابدا.ولكي اخفف عنه وعني، اقترحت عليه ان نلوذ بشيء من الغناء ما دمنا بعيدين: "لا عين التشوف ولا قلب اليحترك". لكنه فاجأني بسؤال: أتحسب اني تخلصت من مصيبة "قلة الادب" حتى وانا في هذا المنفى؟ يفترض هكذا. رد: كلا يا صاحبي. فبفضل "نقمة" ثورة الانترنت والموبايل، ابشرك ما خلصت. ناولني موبايله فقرأت به رسالة لاحدهم تهجم عليه وشتمه. انا اعرف المهاجم واعرف بانه اصغر من ان ينال من صاحبي، ذي التاريخ الاكاديمي والادبي الجليلين، بهذه البذاءة. وبينما انا حائر بماذا ارد، غنى صاحبي:السفيه يسبني ما يدري عليمن وهمي بكل صبح زايد عليمنالبلمنّه كبــل عايش عليّ من الماله بالحجي يحجي عليهسألته محذرا: وهل سترد عليه؟ قال: افه، فهل نسيت باني اوصيتك ان لا ترد على من يهاجمك على النت او ما شابهها، حتى لا يجروك الى مواقعهم، فكيف تتوقعني ان ارد؟اخرجت قلمي من جيبي وطلبت منه ورقة، فكتبت فيها بيتا من الابوذية. ناولته اياه وقلت له احتفظ به في حال ان ينقطع عندك شريان الصبر يوما ما. تناوله مني وغناه على الفور: موش احنه العلينه يكون ينعال والناوي علينه بسكم ينعالهـذا انت صرتلي استاذ ينعـال؟ للبسك حتى لو ضيّك عليهعشت يا صاحبي، ولتسقط قلة الأدب.
سلاما ياعراق :عن قلة الأدب (2)
نشر في: 4 مارس, 2012: 09:31 م