TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس:أداة نصبٍ

قرطاس:أداة نصبٍ

نشر في: 5 مارس, 2012: 09:16 م

 أحمد عبد الحسين أمس رأيتُ برنامجاً على اليوتيوب من إنتاج قناة "بي بي سي" عن فضيحة أجهزة الكشف عن المتفجرات التي استوردتها وزارة الداخلية العراقية من شركة بريطانية. الفيلم قديم "أواخر 2010"، والفضيحة قديمة هي الأخرى، واللجنة التحقيقية التي شُكلتْ لمتابعتها نسيناها بالتقادم حالها حال اللجان الكثيرة التي تعقب فضائحنا الكثيرة، فما الجديد الذي يستدعي إثارة الأمر الآن؟
هناك عراقيون يموتون كلّ يوم تشترك وزارة الداخلية "ممثلة بمن اشترى هذه الأجهزة" في دمهم، المشتري والموافِق على الصفقة ومن اقترحها ومن قبض العمولة ومن دافع عن هذه الأجهزة ومن كتب مكذباً وجود فضيحة، كل أولئك يتحملون قسطاً من خطيئة سفك دم العراقيين كلّ يوم.من رأى البرنامج البريطانيّ يمكن له أن يمارس فعلاً مجنوناً، أن يبكي ويضحك في آن واحد، يبكي على بلدٍ فيه وحوش بهيئة آدميين أتقياء أنقياء مستعدين لقتل آلاف الناس من أجل المال الذي قبضوه عمولة عن استيرادهم أدوات القتل هذه، يبكي على شعبٍ وثق بأجهزته الأمنية وثوق الظمآن بسراب، وهو يحصد ثمن هذه الثقة كلّ آنٍ.لكنّ البرنامج يدعو للضحك حقاً، كلّ الخبراء الذين تحدثوا فيه قالوا بوضوح ان الجهاز "الذي يحمله أفراد السيطرات في كلّ أنحاء العراق الآمن!" هو ببساطة: لا شيء. مجرد قطعة بلاستيكية فيها هوائيّ "إريل"، لا تهشّ ولا تنشّ، سألتُ في نفسي: لماذا إذنْ أرى الهوائيّ الذي في القطعة البلاستيكية يميل أحياناً إلى سيارة دون غيرها؟ الفيلم يجيب: انها الصدفة وحركة اليد، حركة الهوائيّ مرنة جداً بحيث تميله أدنى حركة من يد حامله. فسألت نفسي: والشامبو وحشوات الأسنان والزاهي والعطور التي يميل لها أريل الجهاز ونراه يكشفها سريعاً دون أن نراه ولو لمرة واحدة يكشف مادة متفجرة؟ أجابني الفيلم بمشهد كوميديّ يجمع رئيس الشركة المصدّرة مع ضابط عراقيّ كبير في الداخلية وهما يدافعان عن فاعلية الجهاز، المشهد فيه شرطيّ يمرّ بأريله المتأرجح على كمية كبيرة من الشامبو موضوعة على منضدة، ويا للمفاجأة، رأينا الأريل يميل، لم يكنْ ينقص المشهد سوى صوت هلهولة عراقية، بعد أن أثبت رئيس الشركة النصّاب والضابط الكبير ان الجهاز فعال بدليل انّ قلبه مال إلى قناني الشامبو. المعلّق في الفيلم قال: هل رأيتم هذا المشهد الكوميديّ؟نحن شعبُ مساكين، نصدّق بكلّ شيء، ليس عليك أن تتعب نفسك لنبلع الكذبة ونصدقها بل وندافع عنها، يمكن لك أن تذبحنا واحداً واحداً ونحن ننظر ونبتسم إذا أخبرتنا ان هذا الذبح لمصلحتنا، يمكن لك أن تخبرنا اننا أكثر البلدان أمناً سنقسم معك اننا الأكثر أمنا ونحن نلمّ بقايا أبنائنا، يمكن لك أن تستورد بمليارات الدولارات قطعاً بلاستيكية فيها أريل وتوقف أناساً في السيطرات يروحون ويجيئون وهم يحملون الأريل ونبتسم ونهلل لمرأى العصا السحرية تميل إلينا، إلى عطرنا، إلى الشامبو أو حشوة الأسنان أو البلاتين الذي في عظام أقدامنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram