عالية طالبأسمع كلاما كثيرا عن المتغيرات " الإيجابية " التي استجدت على واقع المرأة العراقية، وأصغي ببرود إلى الهتاف الذي يشيد بدخولها " الفاتح" إلى المعترك السياسي ووجودها" الكوتوي" داخل قبة البرلمان، ومجالس البلديات والمنظمات والمنتديات والتجمعات والتظاهرات المطالبة بالحريات وتطبيق الدستور وكفل الحقوق والواجبات .
أسمع كل هذا، فيما نظراتي تتابع أمهاتنا المبثوثات على الإشارات الضوئية وهن يحملن البخور والحلوى ويستعطفن الجميع بعبارات الدعاء ليحصلن على ما تجود به مشاعر هذا المجتمع المصدوم يوميا بهذه الصور، أراهن وهن يفترشن الأرصفة ببسطيات متداعية متحملات البرد والحر ليحصلن على قوتهن، ألمس معاناتهن وهن بطوابير الرعاية الاجتماعية ليحصلن على الراتب " المهزلة" مقابل ترملهن وعجزهن وفقدانهن المعيل والضمان الاقتصادي، أسمع همسهن حين يتلفتن صوب " العريس" الذي تمنعه ظروفه الاقتصادية وبطالته من إنشاء بيت يضم إنسانة تتوق إلى البدء بحياة مشتركة ويمنعها الحياء من الإفصاح عن رغباتها" المشروعة" فهي رغبات مستهجنة ما دامت تتعلق بالعواطف والجسد الذي هو مشكلة لمجتمعها قبل أن يكون مشكلة لها .هذه المرأة التي أعرفها جيدا وتأخذني الغصة على واقعها في الريف والقصبات وأنا أراها تجلس مع الفجر لتقف على تنورها وهي تعد خبزها الحار لرجل يغط في نومه دافئا بانتظار أن تهيئ زوجته ،عفوا جاريته كل شيء له قبل أن تغادر إلى حقلها أو مزرعتها أو بستانها لتحتطب لعائلتها وتنظف الدغل عن مزروعاتها وتحلب أبقارها لتعود إلى منزل ينتظرها فيه كل الأشغال الشاقة المؤبدة بين رعاية الأطفال وخدمات الجميع المتكل عليها .هذه المرأة التي حرمت من تعليمها حين أصبحت في العاشرة من عمرها واكتفت بمراقبة ذكور عائلتها وهم يمارسون حريتهم في الحياة التي سجنوها داخل خدمتهم فيها ، هذه المرأة لا تحتفل بعيدها الذي لا تعترف به أصلا، فهو لا يعنيها ولا يغير من واقعها ولا يمد لها يد الإصلاح والتكفل بتحسين أحوالها لتعيش إنسانة متوازنة مع الرجل في الحقوق والواجبات ، هذه العراقية التي هي جبل من الصبر لا تقوى على رد العنف الموجّه ضدها من عائلتها وزوجها ومجتمعها الذي لا يغفر لها اعتراضها على انتهاك حقوقها ويصفها بالمتمردة التي تستحق العقاب لتعود إلى الخط المرسوم لها حسب نواميس مجتمعها الذي يعاقبها على جنسها النسائي وينسى أن الله خلقنا أحرارا نرفض ونقبل بإرادتنا الحرة التي عمل الجميع بتخلفهم المدروس بعناية على تحديد إرادة المرأة وسلب كينونتها لتحقيق رفاهيتهم وتسلطهم وذكوريتهم التي لا تجد عظمتها إلا في جبروتها على المرأة المبتلاة بالكثير.هذه المرأة التي يحتفل العالم بيومها دون أن يخطط لمساعدتها كما يجب وكما هو الواقع المعاش فعلياً، لن تنتظر الكثير لا من هذا اليوم ولا من الذي يليه ما دامت تعرف جيدا أنها ستبقى مزروعة على الإشارات الضوئية وأمام بسطيتها ووراء الرجل الذي يحلو له إسكاتها بالكلام والأيدي كلما تساءلت ترى هل للتجنيس الحق بإبقاء معاناتي على واقعها في بلد يغرق بثرواته التي لو وجه الفتات منها للاهتمام بنا لما كان واقعنا كما هو عليه من تردٍّ لا يليق به الاحتفال يوما.
وقفة: عيد المرأة الأخرس عراقياً
نشر في: 5 مارس, 2012: 09:53 م