TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > ملتقى قصيدة النثر.. شعار مستفز وملاحظات أخرى

ملتقى قصيدة النثر.. شعار مستفز وملاحظات أخرى

نشر في: 6 مارس, 2012: 08:01 م

جاسم العايفشهدت البصرة للفترة من الأول آذار 2012 إلى الثاني منه ، انعقاد الملتقى الثاني لقصيدة النثر(دورة السّياب) تحت شعار(قصيدة النثر مستقبل الشعر العربي الحديث). ما يثير الاستغراب في هذا الملتقى اقترانه باسم الشاعر السياب أوّلاً، وشعارها المستفز الأكثر غرابة ثانياً.
 ولسنا ندري كيف ساغَ لدى منظمي ملتقى معنيّ  بقصيدة النثر حصراً تسمية دورته الثانية باسم شاعر لم يعرف أو يوثق تاريخياً أنه كتب قصيدة نثر واحدة في حياته، أو شجّع على كتابتها. فالسياب طوال حياته الشعرية كان يكتب الشعر على وفق البحور الشعرية الكلاسيكية المتعارف عليها تاريخياً ولم يخرج عليها، إلا عندما اتسعت رؤاه الشعرية وبات نظام القصيدة التقليدي المبني على أساس أبيات متعاقبة تنتهي بقافية موحّدة وكل بيت مكوّن من شطرين، عائقاً أمامه، فتحول إلى شعر التفعيلة. خاصة بعد أن استطاع الاطلاع كثيراً على الشعر الأوربي والانكليزي، بالذات، بلغته الأصلية، و وقع تحت تأثيره المباشر وهو ما أثبته، هو ذاته في حوارات عدة أجريت معه. لم يكتب السياب قصيدة النثر ، ولم يخرج عن شعر التفعيلة نهائياً، بل كان، شديد الالتزام بالبحور الشعرية الخليلية ويكتب قصائده موزونة ومقفاة وإن خرجت على نظام الشطرين المعروفين. كما أن انعقاد الملتقى لم يتزامن مع ذكرى وفاة السيّاب التي تصادف في الرابع والعشرين من كانون الأول من كل عام ليصار إلى وضع اسمه في واجهة الملتقى، وإذا كانت المسألة مجرد إطلاق تسمية مجانية لا معنى لها، مع عميق الاحترام للسياب شاعراً رائداً مجدداً، فالأجدر أن يحمل -هذا الملتقى- اسم الشاعر (البريكان) لأنه عقد في وقت قريب جدا من ذكرى مقتل البريكان المصادف ليل الثامن والعشرين من شباط كل عام وفي مكان لا يبعد عن مكان انعقاد الملتقى إلا بأقل من ثلاثة كيلومترات عن المكان الذي غُدر فيه بالبريكان. في ضوء شعار الملتقى الثاني الذي هو(قصيدة النثر مستقبل الشعر العربي)، فإنه وبوضوح لا يمكن لمثل هذا الشعار إلا أن يقودنا إلى إنتاج التهميش والإقصاء الثقافي والاجتماعي، وهو شعار يعيد ويكرر دورة الماضي الثقافي- الاجتماعي التعيس كرة أخرى، ومن الاستهانة ، إلغاء الأجناس الأخرى في مساحة شاسعة ينطوي عليها (بيت الشعري العربي) بكل تنوعاته وتفرعاته، التي تمتد عميقا في الزمن وتنفتح أفقياً بسعة لا يمكن قياسها ، ولذا فإن رهن مستقبل هذا الشعر الممتد زماناً ومكاناً وإبداعاً بجنس واحد فقط، لم تتحدد ملامحه بوضوح حتى اللحظة يدلل على جهل أمية شعرية ومجانية في التفكير ، ويترافق ذلك مع استهانة بالمنجز الشعري العربي ، لمن فرضَ هذا الشعار على الملتقى ومن وافقَ عليه أيضاً من بعض أعضاء الهيئة التحضيرية. لا يمكن التشكيك في أن قصيدة النثر بوصفها نوعاً أو جنساً إبداعياً وتجريباً تغني تجربتنا الشعرية العراقية- العربية ، لكن أن تكون هي وحدها (مستقبل الشعر العربي)  فهذا هو (الغلو) بحد ذاته، نعم لقصيدة النثر لتغني وتجدد وتفعل الحياة الإبداعية العربية - العراقية،  لكن من مجانية الطرح والجهل الثقافي أن تكون قصيدة النثر وحدها الصورة المستقبلية الوحيدة المقترحة لحركة وجدل وتنوع  الحداثة الشعرية العربية. فقصيدة النثر بأفقها الحالي تبقى تجربة غير مكتملة، ومن الضروري أن تظل كذلك لغرض حراكها المتواصل إبداعياً و لا يجوز نهائياً الركون إلى الإطلاق في أن( قصيدة النثر) تشكل وحدها (مستقبل الشعر العربي) فهذه المسألة تدخل ضمن التنبؤات ولا مكان في هذا العصر للتنبؤات المبنية على التمنيات أو توقعات المشتغلين بالفلك أو راسمي خرائط الأبراج الذين غالباً ما تكون موادهم للتسلية والفكاهة ومكانها عادةً في الصفحة ما قبل الأخيرة من الصحف اليومية وهي صفحة خاصة بالتسلية واللهو المجاني ولا علاقة لها بالأفق الثقافي- المعرفي والعمل الإبداعي الجاد الذي يكشف بوضوح لا لبس فيه عن الفقر والجهل والأمية الثقافية والتدني الفكري لمَنْ طرح هذا الشعار أو فرضه على الملتقى. إن هذا الشعار يبعد الاجناسية المتعددة الفاعلة التي هي سمة عصرنا وما عليه أن تكون ثقافتنا الشعرية بالذات، وهو عنوان يستبعد الصراع إذ تتحول فيه قصيدة  النثر إلى بديل  كلي  للشعر العربي  فلا جنس آخر غير هذه القصيدة وبذا فإن هذا الشعار هو دعوة مبكرة لموت (قصيدة النثر) ذاتها. كان يمكن أن يكون الشعار (قصيدة النثر ومستقبل  الشعر العربي) أو أي شعار آخر لا يملك صفة الاطلاقية مهما كانت. فقصيدة النثر ذاتها تجاور أشكالاً أخر ما تزال وستظل فاعلة في الشعر العربي، ولا يمكن أن يكون ثمة مهيمن شعري واحد على عالم الشعر المتسع الذي نطمح إليه، إلا من خلال تلاقح وتفاعل الأجناس الشعرية الأخرى. انحصر الملتقى بجلستين  بحثيتين وبخمس جلسات شعرية وشارك فيهما أكثر من سبعين شاعراً، كل طرح قصيدته الخاصة وكان( الشعر) والذي يملك هذه الصفة حقاً، غائباً ، إلا ما ندر، وكان يفترض أن يجري الاهتمام بالنوع بدلاً من الكم. وقُدِّم خلال الملتقى عرضان سينمائيان لنادي السينما الذي يشرف عليه الكاتب والمترجم نجاح الجبيلي وعلق ع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram