TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > حسين مروة

حسين مروة

نشر في: 6 مارس, 2012: 09:52 م

فريدة النقاش قبل ربع قرن قام مسلحون باقتحام مسكن المفكر الماركسي حسين مروة في بيروت وكان نائما في سريره وأطلقوا عليه سيلا من الرصاص قتله، وتفرق دم الشهيد حينذاك بين «حزب الله» وحركة «أمل» وحتى الآن لم يتوصل أحد للحقيقة إذ كانت الحرب الأهلية اللبنانية لاتزال جارية فصولها الدامية، وكان هناك القتل اليومي على كل الجبهات.
ولم تخسر الحياة الثقافية والسياسية مفكرا كبيرا بطريقة وحشية فحسب وإنما خسرنا أيضا الجزء الثالث من كتابه التأسيسي الكبير «النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية»،وكان الراحل الكبير قد جمع مادة هذا الجزء دون أن يتوفر له الوقت ليكتبها.وجاء قتل كل من الشهداء «حسين مروة» و«مهدي عامل» وسهيل الطويلة إعلانا سافرا عن عجز التيارات الدينية المحافظة عن التحاور السلمي مع منهجهم النقدي العلمي الموضوعي في قراءة كل من التاريخ والتراث والواقع وعدم القدرة على مواجهة النفوذ الواسع الذي مارسه هذا المنهج على قطاعات متزايدة الاتساع من شباب الباحثين والمناضلين، وكان هذا الانتقام الخسيس يوجه رسالة لكل المفكرين الشجعان الذين وضعوا أسس الفهم الواعي للتاريخ والتراث العربي الإسلامي باعتباره نتاج بشر، أو شرعوا أبواب النقد لا فحسب من أجل معرفة علمية للواقع وإنما أيضا من أجل تغييره للأفضل.وتكررت ظاهرة اغتيال المفكرين والمبدعين في كل من مصر والجزائر، وفي الجزائر جرى قتل ما يزيد على مائتي مثقف ومفكر بينهم الفنان والمفكر المسرحي عبدالقادر علولة الذي كان قد أخذ هو وفريق الأول من مايو يطور رؤية جديدة تماما للمسرح تربطه بأوسع جمهور وتدفقه للتساؤل والنقد هو العنوان الكبير الذي جمع بين كل الذين طالهم سلاح الاغتيال من الفنانين والمفكرين والكتاب الذين جاءوا من منابع مختلفة من حسين مروة ومهدي عامل إلى نجيب محفوظ وفرج فودة وعبدالقادر علولة وغيرهم.النقد هو الذي يسمح بالتميز بين الوجود الفعلي أي الواقع المحدد من جهة، وبين الفكرة من جهة أخرى وهو يتطابق أيضا مع القدرة على الحكم، كذلك يمكن أن يتطابق مع العقل في تطوره التاريخي لا يحلل الأجوبة ولا يتلقاها كمسلمات إيمانية بل يطرح الأسئلة ويثير شهية العقل للتساؤل والفعل ويبحث عن حلول للسؤال حالما يصبح سؤالا حقيقيا وتفكيرا في البنى والأنساق النظرية القائمة مستهدفا بناء نظرية جديدة أو علم جديد على أنقاضها، وهو الاشتراكية العلمية في حالة حسين مروة ومهدي عامل وعبدالقادر علولة التي ترى في الحياة الاجتماعية كلا واحدا وتقوم على دراسة نقدية لكل المجالات الخاصة فيه مثل القانون والدين والأخلاق والاقتصاد.والنقد بهذا المعني يرفض البحث الكمي التجزيئي، دون رؤية العلاقات الداخلية التي تنتظمها لتشكل منها ظاهرات عامة، أو رؤية العلاقات الخارجية التي تنفعل بها وتتفاعل معها، أو رؤية التحولات الكيفية لتلك التراكمات الكمية.كان العجز أمام عملية الكشف التي قام بها الدكتور «فرج فودة» من موقعه الليبرالي فكريا لطبيعة العلاقات السياسية القائمة على صراع المصالح في أزمنة الخلافة والتي بين أنها كانت عصورا مثل كل العصور وأن إضفاء طابع القداسة عليها باعتبارها عصورا ذهبية ليس إلا عملية تزييف - أقول كان عجز الجماعات السياسية الإسلامية في مصر عن مواجهة هذه الحقائق أمام الجماهير التي حاولوا إقناعها أن العودة إلى الزمن الماضي حيث نجد هناك مستقبلنا الزاهر سببا في اتخاذ القرار بإسكات صوته إلى الأبد.إن إسكات النقد والتعمية على الحقيقة هما عنصرا إستراتيجية ثابتة لجماعات الإسلام السياسي في كل مكان من طالبان للجبهة القومية الإسلامية في السودان لكل من «أمل» و«حزب الله» في لبنان والجماعات الإسلامية في الجزائر وفي مصر وغيرها.وقد نجحت هذه الاستراتيجية في محاصرة وتحجيم الرؤية العلمية الموضوعية للتاريخ والتراث العربي الإسلامي، ووضع الحواجز وصولا للتكفير والقتل بين الجماهير المتدينة وبين التأويل المستنير للنص الديني، وسوف تكون هذه هي معركتنا الآن نحن الاشتراكيين والتقدميين كيف نحطم الحواجز بيننا وبين الجماهير العريضة، ولن تكون هذه معركة على الصعيد الفكري وحده فهي خاسرة قطعا لو بقيت كذلك، وإن كان خوضها على الصعيد الفكري ضرورة أولية لتبيان كيف أن ذلك كله يرتبط بالخيارات الاجتماعية الاقتصادية السياسية للقوي المتصارعة، والصراع الآن لايزال كما شخصه «حسين مروة» قبل ربع قرن دائرا بين القوى الثورية في حركة التحرر العربي من جهة، والقوى الرجعية المتخلفة وأخطر هذه القوى الأخيرة هي تلك التي تتستر بالدين وتجده معبرا سهلا للجماهير «فللقوى الثورية حاضرها المستقبلي المتميز عن الحاضر الماضوي للقوى المتخلفة، كما أن لها تراثها المتميز أيضا عن تراث هذه القوي الأخري».نحن مطالبون أن نواصل معركة حسين مروة والطابور الطويل من الشهداء على الصعد الفكرية والسياسية والنضالية كافة دون هوادة.. وتقول لنا خبرة التاريخ الذي لا يسير في خط صاعد دائما أننا يمكن أن ننتصر في النهاية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram