TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > النبيذ مع السجق مطبوخاً بدبس الرمّان!

النبيذ مع السجق مطبوخاً بدبس الرمّان!

نشر في: 7 مارس, 2012: 07:50 م

طالب عبد العزيز في الجهة العميقة من المقهى الفقير،  بمحلة البجاري القديمة،  وسط العشّار، يجلس أدباء ومثقفو البصرة، ومعهم نخبة من متعاطي المعرفة وقرّاء الصحف من المتقاعدين مساء كل يوم، بعيداً عن صخب الجهة الأمامية من المقهى، حيث يجلس رواد المقهى الآخرون، من محبي كرة القدم والدراما التركية والمصارعة الأمريكية الحرة، في الجهة هذه، هناك فسحة من الوقت لتأمل مشهد الثقافة، لا تتجاوز الساعات الثلاث حتى يحين وقت انصرافهم،
 كل إلى بيته، لأن المدينة تفرغ من المتجولين، المتبضعين وسواهم حال هبوط الظلام، لتتحول إلى مدينة أشباح، لا يقطنها سوى المتأخرين في عيادات الأطباء، من المرضى، ورجال الشرطة والمتسولين.المدينة تنغلق نهائيا بعد التاسعة مساء.  وفي المساء، من كل يوم، أجمله الذي في الشتاء، يتكرر الحديث ذاته :(شارع بشار، بيت باش أعيان، المقهى، السينما، المسرح، البار، النادي، الملهى، أم البروم في الفجر، الكورنيش ...هناك حديث مشترك لا يتجاوز الحنين إلى الفردوس المفقود، وكما كان العديد منهم يكيل اللعن والشتم للنظام السابق، متذمرين من سلوك البعثيين في تلكم الأيام، صار الكثير منهم اليوم يتذمر من ممارسات الحكومة الحالية، أي حكومة،  في بغداد والبصرة، هناك أكبر من فجوة بين السلطة المحلية والنخب المثقفة، فهي لا تفهم حاجة المثقف للحرية، بل لا تتصور معنى الحرية لديه والمثقف ينظر للمسؤول المحلي على أنه العقبة الكأداء في طريق التطور والمدنية، وبين وجهتي النظر أكبر من حقيقة يتغاضى عنها أحيانا كل منهما. كل ما يتمنى المثقف في البصرة والجنوب عودته بوصفه فردوسه المفقود يصرُّ السياسي المسؤول، الخارج من الحاضنة الدينية دائما، على إقصائه، بوصفه أداة التخريب وعلة الانحلال، وهذه واحدة من عقد الثقافة في العراق، والجنوب بخاصة، والمشكلة أكبر إذ نسمع منهم أنْ لا صحة لهذه، فيما الحقائق تقول أنْ لا أحد منهم يقبل بالتنازل للآخر، فلا المسؤول المحلي يقبل بعودة الحياة للأماكن تلك، التي شكلت جزءا مهما من حياة المثقف، الذي يرى بأن غريمه إنما يريد سحبه لمنطقته التي لا تتجاوز الثقافة فيها حدود المحلل والمحرم، الخير والشر، الصحيح والخطأ... الخ ، الثنائية المعرفية التي تجاوزتها المعرفة اليوم، من وجهة نظره.لأن الحياة والمدنية أكبر بكثير من قاموس مغلق، هذا الذي يتأبطه المسؤول المحلي.    هناك شائعة، أتمنى أن تكون خاطئة، تقول بأن العضو في الحكومة المحلية إذا دعي لحضور فعالية، أي فعالية ، تقيمها جهة غير رسمية، اتحاد، جمعية، منظمة مجتمع مدني ... يسأل السؤال هذا:( هل هناك غناء أو رقص أو فرقة موسيقية؟) فإذا قيل له: نعم، اعتذر، وإذا قيل له:لا،  استجاب، ضمن المعادلة هذه لا يمكننا تصور المشهد الثقافي خلال السنوات القادمة، ولأن الثقافة التي يريدها أصحابها، كما يجب هي خارج عناية المؤسسة السياسية منذ أكثر من 10 سنوات، ولأنها(المؤسسة)لا تريد تأكيد الحقيقة هذه فليقرأ هؤلاء المساكين عليها الفاتحة، ولكي لا نتجنى على أحد نقول: (قبل 3 سنوات رفعت وزارة الثقافة شعار:البصرة عاصمة الثقافة العراقية، ومن قبلها كانت بابل وكركوك،  ترى ما الذي تغير؟وما الذي ستقدمه النجف للثقافة، ما الذي ستقدمه بغداد والموصل ؟ نحن نضحك على أذقان بعضنا.  يتحدث أعضاء في اتحاد أدباء وكتاب البصرة عن نسبة مقدارها 2% فقط من موازنة المدينة هي مجموع ما مخصص للثقافة، ووزارة الثقافة هي أفقر وزارة عراقية في كل موازنة مالية، كما يتحدث موظفون فيها، وما لدينا من مهرجانات ومؤتمرات ثقافية لا يتعدى عن كونها تسقيطاً لفروض حكومية، فما الذي جنيناه وسنجنيه من مهرجانات الشعر والقصة والرواية في المربد والمتنبي والواسطي والجواهري وو إن كانت كتبنا ودواويننا ورواياتنا تطبع في دمشق وبيروت وعمان ونعجز عن تأمين دور حقيقي فاعل لدار نشر عراقية، بل أن مؤسساتنا الرسمية في وزارة الثقافة والجامعة وغيرها عجزت عن تقديم كتاب تأسيسي واحد في المعرفة أو في الفكر؟   الكتل السياسية الحاكمة والحكومات المحلية في الجنوب بشكل عام تعمل على تقديم مشاريعها في الثقافة، ولها أجندات خاصة لا تخرج على مبادئها، التي تدخل في دائرة افعل ولا تفعل، ضمن وعي ديني، مشرعن، محسوم، لا يخرج عن الطاعة والتقديس، وهي آلية ومنهج وأيديولوجيا فيما تنتظر النخب المثقفة تخلي الشارع الديني عن هؤلاء، النخب التي جاءت، وعبر عمر الثقافة العراقية من حاضنة مختلفة، حيث ظل اليسار العربي والحزب الشيوعي العراقي بشكل خاص ومعه النخب العلمانية –الليبرالية مسيطرا على تحريك عجلة الثقافة إلى اليوم، القضية التي تزعج الحكومات المحلية، التي نجحت وتنجح في تسويف ومراوغة كل فعل حقيقي في الثقافة .    سعادة كبيرة ينعم فيها المسؤول المحلي حين يرى العشار نائما ، وقد أغلقت المحال وسدت الطرق بالشرطة، يقابله حزن كبير يقضّ مضجع المثقف مشهد خلو المدينة من دار للسينما، مسرح للدمى، دار أوبرا، حانة صغيرة على شط العرب الجميل تجلس على دكتها صبيّة نصرانية، فارعة الطول تبيع فيها النبيذ بالسجق مطبوخا بدبس الرمان، هكذا مثلما كانت تعده ماري في بار سرجون قبل ربع قرن، أيام كنا لا نكره أحداً ولا يكرهنا أحد، أي نع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram